هل تتحدّد شخصية الإنسان ومستقبله خلال شهوره التسعة الأولى؟ وبمعنى آخر، هل تؤثر الفترة التي يمضيها الإنسان وهو في رحم أمِّه جنيناً في تلك المراحل، من حيث الأمراض التي يصاب بها لاحقاً أو نماذج السلوك والتفكير والحياة؟ بعضهم يقول إنها الجينات أو المورثات التي نرثها عند الإخصاب والحمل، بينما يعتقد آخرون اعتقاداً راسخاً أن البيئة التي نحيا فيها خلال الطفولة هي السبب. ولكن، هل تتأثر الكثير من خصائصنا الفردية – صحتنا، ذكاؤنا، مزاجنا – بالظروف التي نصادفها قبل الولادة؟ هذا ما يدّعيه حقل مثير يُدعى الجذور أو المناشئ الجنينية؛ فعلى مدى عشرين سنة ماضية، توصل العلماء إلى فهم جديد لأولى تجاربنا في الحياة، وإلى مدى تركها تأثيرات مستديمة فينا، منذ سنّ الرّضاع وحتى الكهولة، كما تقدم هذه الأبحاث رؤية جديدة وجريئة للحمل كمسرح هام لصحّتنا وقدراتنا وعافيتنا طوال الحياة. وفي هذا الكتاب تجوب الكاتبة والصحفية آني مورفي بول Annie Murphy Paul مختبرات الأبحاث الجنينيّة، وتقابل الخبراء من مختلف أنحاء العالم، متعمقة في التاريخ الغني بالأفكار حول ما يجعلنا على ما نحن عليه قبل الولادة. لتكتشف قصصاً دراماتيكية: كيف أنّ الأفراد الذين حملت بهم أمّهاتهم خلال حصار النّازيين لهولندا في الحرب العالمية الثانية لا يزالون يشعرون بتلك العواقب بعد عقود؛ وكيف مرّرت النساءُ الحوامل اللواتي عايشن هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر آثارَ الصدمة إلى نسلهنّ في الرحم؛ وكيف أدّت حادثة في مختبر إلى اكتشاف مادّة كيميائية منزلية شائعة يمكن أن تضرّ بالجنين المتخلّق؛ وكيف أنّ دراسة إحدى جائحات الأنفلونزا في قديم الزمان تظهر التبعات الشخصية والاجتماعية للظروف السيئة التي مرّت بها الأجنّة قبل الولادة. كما أن الجذور أو المناشئ الجنينيّة تُلقي الضوء على مكتشفات علمية مدهشة: كيف أن إحدى حالات التعرّض لسمّ من سموم البيئة يمكن أن يؤدي إلى ضرر يعبر إلى عدة أجيال؛ وكم هي الأمراض المختلفة، مثل السكّري ومرض القلب والمرض النفسي، التي يمكن أن تبدأ جذورُها في الرحم؛ ولماذا يمثّل الرحم آخر هدف للطب على مستوى تعزيز الحياة الصحية، من الوقاية من السرطان إلى الحدّ من البدانة. إذاً، الجنين ليس كائناً خاملاً، بل مخلوق نشيط وديناميكي، يستجيب ويتكيّف وهو يستعدّ للحياة في عالم خاص سوف يلج إليه. كما أن المرأة الحامل ليست مجرّد مصدر لضرر محتمل يقع على جنينها، مثلما تُتّهم غالباً، ولكنها مصدر للتأثير في طفلها القادم بشكل أكثر قدرة وإيجابية مما عرفه الإنسان من قبل. الحمل ليس فترة انتظار على مدى تسعة أشهر لموعد الولادة العظيم، وإنما هو فترة بالغة الأهمية بحدّ ذاتها، إنه موطن قوة وإرادة فرد، واختبار للصحة العامة والعدالة الاجتماعية. وهكذا تمضي الكاتبة في سرد القصَّة والأحداث والدراسات والأبحاث من شهر إلى شهر، مبتدئة بالشهر الأول من الحمل ومنتهيةً بالشهر التاسع؛ فليمض كلٌّ منا مع الكاتبة في رحلتها الطويلة هذه، كي نحقق الفائدة والمتعة معاً...