وصف الكتاب
عرف العالم الإسلامي ",شكيب ارسلان", أميراً للبيان ولساناً ينقل بصفاء ودقة كلمة الإسلام، وجندياً على أجل العربية والعروبة، وذلك من خلال مقالاته ومؤلفاته ومساجلاته وترجماته وتحقيقاته، واشرأبت الأعناق في كل معضلة، وافتقده المصلحون الاجتماعيون، والزعماء السياسيون أمام كل مشكلة. وفي شهر ربيع الآخر سنة 1348هـ-1929م، أرسل الشيخ محمد بسيوني عمران من ",جاوة", إلى صاحب مجلة المنار السيد رشيد رضا رسالة يوفي فيها الأمير شكيب حقه من الثناء والتقدير على خدمته للإسلام والمسلمين ويقترح عليه أن يبين لقراء المنار أسباب ما صار إليه المسلمون من الضعف والانحطاط والذل، وأن يبين أسباب رقي أهل أوروبا وأمريكا واليابان، وما إذا كان يمكن للمسلمين مجاراة هؤلاء في سباق الحضارة مع المحافظة على دينهم الحنيف، فأحال السيد رشيد رضا، الرسالة إلى الأمير ويظهر أن الرسالة حركت في نفس الأمير كوامن وأثارت شؤوناً وشجوناً وأن السؤال كان يلح في خاطره والإجابة كانت مضمرة في تلافيف ذهنه الوقاد والمنشغل ابدأً بالشؤون الإسلامية.
ولم يكد ينتهي من رحلته إلى الأندلس، حتى انكب على أعداه الجواب خلال ثلاثة أيام وانفعالات الزيارة إلى بلاد المجد المفقود وعواطفها ما زالت مشبوبة في نفسه، ونشر الكتاب أول ما نشر في مجلة المنار ثم طبعه في كتيب على حدة وقدم له السيد رشيد رضا في أواخر سنة 1940 بمطبعة المنار وحلاّه ببعض العناوين، وأعيد طبع الكتاب مرات، وتناقله العالم الإسلامي بلهفة وشوق وتقدير، لأنه وجد فيه إجابات صريحة واضحة على تساؤلات كانت تلح في الضمائر وتعتلج في الخواطر.
ولا شك أن الرسالة طارت في أرجاء العالم الإسلامي بجناحي التوفيق والبراعة، وكانت عود الثقاب الصغير، الذي أضاء الطريق المظلم: وحدد المعالم المبهمة وحق للسيد رشيد رضا أن يقول عنها أنها (اضطربت بها بعض دول استعمار، وزلزلت زلزالاً شديداً، حتى قيل لنا إنها أغرت حكومة سوريا بمنع نشرها. وقابلت فرنسا الرسالة بمنع دخولها إلى الجزائر، وحظرت على الناس قراءتها كأنما هي وباء، وجعلت عقوبة لكن يطالعها.
أما العالم الإسلامي ورجاله، فقد رحبوا بها، ولفتوا الأنظار إلهيا وحضوا على نشرها وتعميمها.
إن ظروف إنشاء الرسالة، وكونها جواباً على سؤال طرح في مجلة المنار، وتحبيرها في مدة وجيزة جداً-إن صح القول بأنه ثلاثة أيام- واعتماد الأمير فيها على الذاكرة وخلاصة التجارب دون المذاكرة والمراجع دفعت بعض المفكرين إلى انتقاد جرمها الصغير والإكثار فيها من وجوه المقارنات بين المسلمين بالأمس واليوم، وصياغتها بالأسلوب الصحافي والخطابي العاجل، حتى أن الأستاذ أحمد الشرباصي يقول عنها -وقوله حتى وصدق-: ",إنها أشبه بخطبة طويلة النفس فيها من الإثارة والتحميس أكثر مما فيها من البحث والإقناع",.
ومهما قيل في الرسالة فقد كانت بنت ساعتها، وضرورة من ضرورات عصرها، أيقظت الأمة، وأزالت الحجب عن أعينها وحركت العزائم نحو الإصلاح ودلت بصدق على كثير من مواطن الضعف والانحلال. ولا يقبل انتقادها بكثرة الآيات القرآنية التي اشتملت عليها لأن القرآن دستور المسلمين والمصدر الأول من مصادر التشريع لديهم واللجوء إلى آياته وتبيان تحذيراته ووصاياه في موضوع معالجة أسباب تأخر المسلمين في اللوازم الأساسية والضرورات المنطقية لنجاح الموضوع.
منذ أكثر من نصف قرن كان للمسلمين في كل مكان ",قضية",، ولقد عبَّر أحدهم من أقاصي العالم الإسلامي-من جزيرة بورنيو-عن هذه القضية، وسأل الأمير شكيب إرسلان: لماذا تأخر المسلمون؟!.
والمسافة بين زمن السؤال وبين اليوم واسعة.. ولكن القضية تبقى هي القضية ويبقى السؤال هو السؤال. على الرغم من المسافة الزمنية.
إن إجابة الأمير شكيب إرسلان وهو الحاذق الخبير والكاتب الكبير تصلح أن تكون مرافعة لتبرئة ",الإسلام", كدين من مسؤولية ما لحق المسلمين من تخلف.
وإذا كانت ",الإجابة", التي دبَّجتها يراعة الأمير شكيب قليلة الصفحات نسبياً، فإن القارئ العربي والإسلامي سيجد فيها الحقائق بحلوها ومرها تبين له بصدق: سبب تأخر المسلمين.