وصف الكتاب
المقالات التي تطالعنا يومياً في الجرائد والمجلات، لتقول أن أزمة الثقافة العربية هي من أزمة الحرية العربية، لا تكتشف البارود.
والمقالات التي تتردد كثيراً هذه الأيام، لتدين هذا الشعر أو ذاك، أو لتهاجم هذا الشاعر أو ذاك، مقالات تطلق الرصاص الغزير ولا تصيب نقطة الهدف.
والكلام الخجول، الذي يطل خافض الرأس على الإرهاب الممارس على الثقافة والمثقفين، يتناول إرهاب الأنظمة ومؤسساتها، وينسى إرهابات أخرى ليست أقل فظاعة.
فمن من المثقفين يجهل أن هناك إرهاباً على الثقافة من المثقفين أنفسهم؟ وهو غير المعلن، أشد هولاً من الإرهاب الممارس على الثقافة من خارجها لأنه يأتي من الداخل، ويضرب.
ومن من المثقفين لا يرى كيف يستأثر أصحاب المنابر الثقافية، سواء في الصحف اليومية أو الأسبوعية أو الدوريات، استئثاراً كاملاً بمنابرهم، فيرحبون بالمقالات التي تهلل لهم ولأصحابهم، ويمنعون العكس؟
فالسلطة الفردية التي يمارسها أصحاب هذه المنابر على منابرهم، تجعلهم يتربعون سعداء على مقاعد سلطوية، متكلّمين بلا هوادة في الرأي الحرّ، ضاربين به عرض الحائط. ",مستميتين", في الديموقراطية، مميتين في قمع الحريات. مندّدين بالصون الواحد، خانقين الحوار...
ولنكون أوضح، نسأل: هل يستطيع محمد فرحات أو عباس بيضون أو محمد العبد الله أو حسن داود، أن ينتقدوا سعد الله ونوس على صفحات ",السفير",؟
هل يستطيع إلياس حنا إلياس أو بسام منصور أو هاشم قاسم أو هنري زغيب أو عقل العويط أو طلال حيدر أو ينتقدوا أنسي الحاج؟
هل يقبل أدونيس أن ينتقده أحد في ",مواقف",؟ ومحمود درويش أن ينتقده أحد في ",الكرمل",؟ ...إلى آخر الأسماء وإلى آخر المنابر.
إذاً، ما نفع الكلام على الحرية؟ أمام هذه السلطة الثقافية الفردية، نقيضة المفهوم الثقافي الحضارية، ألا يكون الكلام على ضرورة الحرية الثقافية، والحوار الديموقراطي والنقد المنهجي، كلاماً فارغاً، بل مراوغاً؟
تلك كانت المقالة الأخيرة من مقالات ",وديع سعادة", التي تضمنها هذا الكتاب الذي يضم بين طياته مختارات من مقالات أسبوعية كان ",وديع سعادة", قد نشرها في مجلة ",النهار العربي والدولي", في باريس من 21 كانون الثاني حتى 31 آذار 1980 تحت اسم ",من باريس",، ومن بيروت من 12 كانون الثاني 1981 حتى 7 حزيران 1982 تحت اسم ",قبض ريح",. أقرأ أقل