وصف الكتاب
بين يدينا ترجمة عربية لكتاب ",روجي لوطورنو", فاس قبل الحماية ويعد هذا الكتاب من الدراسات المنوغرافية التي وضعت إبان الحماية ولقيت رواجاً لدى المهتمين بتاريخ المغرب منذ الأربعينيات حتى اليوم. ألف لوطورنو هذا الكتاب بعد أن عاش في فاس عشر سنوات (1930-1940) مدرساً ثم مديراً لثانوية مولاي إدريس، متجولاً في الأزقة والدروب واقفاً على المنازل والمتاجر والأطرزة والأضرحة والأطلال، متصلاً بمختلف طبقات السكان، حاكمين ومحكومين، مثقفين وتجار وحرفيين، مطلعاً في نفس الوقت -مباشرة أو بواسطة- على ما كتب عن فاس، سواء من طرف المؤرخين والرحالة المسلمين القدامى، أو من طرف الأوروبيين المحدثين، ورحالة وتجار وعيون وديبلوماسيين وفضوليين، خاصة في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، لا تكاد تند عنه من ذلك كله شاذة ولا فاذة، فكانت الحصيلة هذه القائمة البيبليوغرافية الطويلة المستوعبة التي تطالعنا في أول الكتاب، والتي استغلها المؤلف أحسن استغلال في كتابته عن مختلف المظاهر الحضارية للعاصمة الإدريسية.
تتعدد المناهج العلمية التي أخذ بها المؤلف في فاس قبل الحماية، بعضها تاريخية وجغرافية، وبعضها اجتماعية واتنوغرافية، وكان لا بد منها جميعاً -كما ذكر في المقدمة- لإعطاء صورة كاملة عن فاس والفاسيين قبل مجئ الفرنسيين وإقامة الحماية. وقد وفق لوطورنو فعلاً -في الإبان المناسب- إلى رسم صورة واضحة المعالم عن هذه المدينة الأصيلة العريقة، وهو لا يعرف أن كثيراً من المظاهر التي حرص على تأملها ووصفها بدقة متناهية عن طريق الكتابة والرسوم الجغرافية والبيانية والصور الفتوغرافية ستختفي في ظرف وجيز نسبياً بسبب الهجرات المتوالية للتجار الفاسيين إلى الدار البيضاء منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ثم الهجرة العارمة للمثقفين الفاسيين إلى الرباط بعد الاستقلال. وكان المؤلف فعلاً يشعر ويتنبأ بتغير الأوضاع في فاس على يد من يسميهم ",المتطورين", ولكنه لم يخطر بباله -على ما يبدو- أن يتم هذا التطور خارج إطار الحماية وعلى النحو الذي تم به.
يبقى كتاب فاس قبل الحماية وثيقة حية شاهدة بعمران فاس وجمالها، ونشاط أهلها وحيويتهم في مختلف الميادين الصناعية والتجارية والفكرية في مطلع القرن العشرين، بعد أن طمست التطورات المؤسفة في العقود الأخيرة هذه المعالم، فخلت الدول والقصور من أهلها ودخلها من البدو من أفسدها وأحال نضارتها وبهجتها إلى كآبة وخراب.