وصف الكتاب
الموضوع الذي أطرحه الآن موضوع طرحه كل من هب ودب، وكتب فيه وعنه من يعرف الكتابة ومن يتعرف عليها لأول مرة في حياته، لا لأنه موضوع مهم، فأهميته لا يعرفها الا القليل، ولا لأنه موضوع مباراة في المسك بالقلم أو علو الصوت المضمر، بل لأنه موضوع يدّعي من يكتب فيه أنه بريء ويسمع، وأنه يذرف الدمع الأحمر على الزمان الذي مضى وانقضى. حين كان الزمان (في شبيبته) كما يقول أبو العلاء، كان الغناء فنًّا... والفن هو", التعبير الخارجي عمّا يحدث في النفس من بواعث وتأثرات بواسطة الخطوط أوالألوان أو الحرفات أو الأصوات", ومعنى هذا التحديد أو التعريف هو أن هناك شيئاً داخل النفس يتم التعبير عنه بطرق مختلفة، من أهمها الأصوات، ومن دون هذا الذي يغلي داخل النفس لا يمكن أن يكون هناك فن الأغنية حين كان الزمان في شبيبته كانت تحتوي على عدة عناصر متآزرة هي الكلمات والصوت واللحن. وحين يختل واحد من هذه العناصر او يتخلف عن غيره من العناصر في المستوى تخرج الأغنية عن حقل الفن وتدخل في حقل الضوضاء هذا ما كان، أما الآن، فنحن ننتظر لغوياً وفنياً بمستوى الخليل بن أحمد حتى يضع لنا تعريفاً جديداً للغناء حتى نفهم ما يجري في هذا (الزمان المفضل) كما يقول أبو تمام. أنا، ومن دون إرتداء ثوب للرياء، أو عمامة للنفاق أشاهد غناء الفضائيات، أشاهد أم كلثوم وفيروز وعبدالحليم حافظ ومحمد عبد المطلب، أما عبد الوهاب فأحب سماعه في الراديو. أشاهد كذلك نانسي عجرم وأخواتها، ولكن الفرق شاسع بين المشاهدين: فهناك أشعر بأن الفن مكتمل العناصر، إبتداء من النقطة الأولى وهي ما في النفس من لواعج وأشواق وتوق... بحيث يرتفع ذوقك وتصفو ويلذ سمعك وقلبك. أما هنا فأنا أشعر بأجساد لا لغة لها وأصوات تخجل من نبراتها هي نفسها، وبأضواء يألفها الظلام ويرحب بها ولا يفر منها، وحركات تدفعك الى تذكر النظرية التي تقول: بأن أصل الإنسان.... في مشاهدة فضائية ما سمعت المطرب يقول:(نساني مرة وحده...نسيته مرتين). كان الصوت جميلاً كأنه قادم من حنجرة إبراهيم الموصلي، ولكن سمعي لم يمكث طويلاً مع عذوبة الصوت لأن ذهني سرح في الكلمات فتصور مسابقة أو بالأحرى معركة كتلك التي يعبر عنها: ضربني مرة فضربته مرتين، أو كلت له الصاع صاعين أو ما أشبه ذلك من التعبيرات عن المصارعة، ذهب تفكيري إلى علم النفس ليسأله: هل يمكن النسيان مرة واحدة؟ وهل يمكن النسيان مرتين؟ بمحض إرادة ذلك؟ علم النفس بعد طرح السؤال، أطرق ساعة كاملة، ثمّ ضرب كفًّا بكف وقال: نعم يمكن النسيان مرة واحدة ويمكن مرتين. ولكنني لم أسمع أن ذلك يتم بالإرادة، وعليك الذهاب الى علم آخر لعله يرشدك الى ما تريد، لا أريد أن أدخل في فلسفة اللغة وعلاقتها بالفكر، وكيف أن اللغة حين تصبح خرافية يصبح الفكر نفسه خرافيًّا، لأن بحث هذا الموضوع يحتاج إلى سياق آخر وحلقات أخرى... ما أريده يتمثّل في سؤال بسيط: إذا كان فن هذه الأيام يقوم على لغة من نوع قول هذا المطرب الذي أعاد الى حبيبته اللطمة لطمتين... فما هو الذوق الذي يشب ويترعرع على هذه اللغة؟ كيف ينمو في أجيالنا ما يسمونه الحس الجمالي؟! الفن حين يتناول شيئاً قبيحاً يحيله الى جمال. هذا ما عرفه من قبلنا ونعرفه نحن، فما هو مصير من يأتي وقد أصبح الفن مصدراً لتحويل الجمال إلى قبح؟ هل أنت تدري؟ ام تقول ما قاله أحدهم: (لا أنت أدرى بالصواب ولا أنا). جاء ذلك ضمن مقالة نقدية للكاتب محمود العلي وتحت عنوان ",نسيته مرتين", والمقالة هي واحدة من مجموعة مقالات محمد العلي التي تم جمعها بين وفي هذا الكتاب. والكتاب، كما جاء في تقديمه، ليس غنياً عن التعريف وليس ناراً على علم لأن مثل هذا الإطراء المستهلك لا يليق بمثله وهو المختلف، والدروب الى التعرف عليه سالكة بصعوبة لأسباب مختلفة غير مألوفة، هو في الظاهر التواضع وفي الباطن ما يشبه الكبرياء أو ما يشبه رهبانية الفكر، فالذات الإحسانية تأخذ طبيعة الأرض السمراء التي تستعصي على وطء أقدام المكتشفين والمبدعين. غير أن هذا لا ينفي طبيعة الإختلاف المشاكس في فكر العلي إلى حد رغبة معاندة عين الرضا الكليلة عن كل عيب وخارج منطق الأحكام الحاسمة المفارق تماماً للرؤية الثقافية وموضوعية البحث.