وصف الكتاب
كتاب سيبويه، كما هو معروف صنعه سيبويه في شبابه، وفي صدر الحياة الفكرية في القرن الثاني للهجرة. وقد عدّ صاعد بن أحمد الجياني الكتاب، أحد ثلاثة كتب، قال عنها: ",لا أعرف كتاباً ألف في علم من العلوم قديمها وحديها، فاشتمل على جميع ذلك العلم، وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب... الثالث: كتاب سيبويه البصري النحوي، فإن كل واحد من هذه الم يشذ عنه من أصول فنه شيء إلا ما لا خطر له",. وقال الحافظ: ",لم يكتب الناس في النحو كتاباً مثله، وجميع ما كتب الناس عليه عيال",.
لذا فلا غرابة أن يثير الكتاب اهتمام معاصريه، والذين جاءوا في العصور التي تلت عصره، فلقد بلغ الكتاب القيمة في ما وصل إليه الدراسات النحوية في أواخر القرن الثاني الهجري بعد أن صنع فيه مؤلفه أعظم ما يصنع عالم لموضوعه، إذ آتاه حقه في التقصي والاستيعاب، ومن الدرس والنقد، وجهد في تحرير مسائله وترتيب موضوعاته حتى استحق كتابه في النحو والصرف أن يكون الكتاب، واستحق المؤلف به أن يكون في النحويين الإمام. فأقبل الباحثون من بعده على دراسته وشرحه، وشرح شواهده، والتعقيب، الاستدراك عليه، منتصرين له، ومدافعين عن صاحبه.
ويعدّ ابو سعيد السيرافي، إمام الأئمة، وشيخ الشيوخ واحداً من هؤلاء المهتمين بشرح كتاب سيبويه، فجاء شرحه خير مفصح عن شخصية السيرافي العلمية وثقافته اللغوية، وقدرته على معرفة معاني المفردات، وتفسير الأبنية الغريبة وضبطها وبيان مفردات جموعها واستشهاده للمعاني التي يريد توضيحها، وكثرة نقوله عن أئمة اللغة والنحو، واجتهاده الذاتي الذي تجلى في إسرافه في التعليلات النحوية التي تدور حول حكمة اللغة في تركيباتها، وعلاقة مفرداتها، وعلامات الإعراب والبناء وكان صدى لثقافته القرآنية، والفقهية، والشعرية، ومن علم الأنساب، والمنطق، والكلام.
والقارئ لهذا الكتاب يجد أنه يقع في قسمين أولهما: الدراسة، وهي تتضمن ثلاثة مباحث، الأول: ترجمة السيرافي: اسمه وولادته، نشأته وحياتهن خلائفه، وشيوخه، ثقافته، تلاميذه، آثاره وفاته. والثاني: بين يدي النص دس فيه المحقق مادة الكتاب، ومنهج السيرافي في هذا الباب، بين السيرافي وابن جني في فوائت الكتاب من الأبنية، والثالث: منهج السيرافي (تقويم ونقد) في حين خصص القسم الثاني لتحقيق النص تحقيقاً علمياً تجلى فيه جهد المحقق في مراجعة الأبنية الصرفية التي جاءت فيه، وتوثيقها من كتاب سيبويه، فضلاً عن اهتمامه بالهوامش التي أغناها بالمقارنات وبالأوجه التي رويت بها هذه الأبنية في الكتب الأخرى.