وصف الكتاب
إن فلسفة التوريث تقوم على التواصل أو التوصيل، بهدف الاستمرار أو الديمومة الحضارية، بصرف النظر عن تبدل موضوعات الإرث والتوريث، فإلى جانب التوريث المعروف في المفهوم الشعبي، وذاك المرتبط بالتنظيم الديني، هناك التوريث الأخطر، هو توريث السلطة أو الزعامة، من القبيلة إلى الجمهورية، مروراً بالعائلة أو الأسرة، مع تفريق أساسي بين نظام ملكي أو نظام أميري قوامه الطبيعي التواصل بالتوريث، ونظام جمهوري أو شعبي قوامه الصنعي التواصل بالانتخاب.
وفي هذا السياق، يندرج الاختلاف السياسي حول ظاهرة التوريث، الموسومة بسمة التمييز أو التمايز: ",عليّ يرث وعليّ لا يرث",! وفي كل حال، التوريث ظاهرة اجتماعية حضارية وعالمية، لا جدال في ضرورتها؛ ولكن الخلاف يدور حول أشكالها وشروطها، في المجتمع، وأعرافه، وفي الدولة ودستورها وقوانينها. إنها ظاهرة متصلة جذرياً بحفظ الجنس البشري، أشبه ما يكون بـ",شبكة اجتماعية", لا تخلو من تعقيدات؛ لكنها شبكة ذات خروم، يخرج منها الكثيرون، ويبقى فيها القليلون، هم الوارثون، الخارجون من الشبكة الوراثية يراودهم شعور بالحرمان والظلم والاستعباد، وفيما الوارثون لا يخفون امتيازاتهم، بصرف النظر عن مزاياهم وقدراتهم على النجاح أو الفشل في إدارة الموروث المادي، وتدبير الموروث العلمي أو التقني أو السياسي.
ضمن هذه الرؤية تأتي الدراسة في هذا الكتاب، وهي تختص برصد ظاهرة التوريث السياسي في الأنظمة الجمهورية العربية (في النصف الثاني من القرن العشرين حتى اليوم)، تتناول الدراسة وبصورة عامة، وفي إطار معالجة معمقة، ظاهرة التوريث المختلف، الآخر، حيث يقال أن الجمهور أو الشعب هو الوارث السياسي لسلطته أو دولته أو حزبه أو جماعته، فإذا بالواقع السوسيولوجي يقدم نقضاً صريحاً لهذه المقولة، ويوفر للشعب نماذج وراثية سياسية ناجحة، ونماذج أخرى غير ناجحة أو غير متاحة. لماذا! وكيف يمكن فهم ظاهرة التوارث السياسي المختلفة الأشكال في الدول العربية في عصرنا الراهن؟ وما مدى إمكانية نجاحها على أرض الواقع؟ وكيف يتمثل فشلها؟! هذا ما حاول خليل أحمد خليل من خلال دراسته هذه استشفافه بالخروج من دائرة التنظير إلى دائرة أوسع هي دائرة دراسة الواقع على ضوء تناوله نماذج لنظم سياسية عربية تجلت فيها ظاهرة التوريث السياسي بجميع أشكالها.