وصف الكتاب
لاشك أن الصراع الأزلي بين السلطة والحرية في إطار القانون الدستوري، قد مر بمراحل تاريخية مختلفة ومتباينة تدرجت فيها سطوة السلطة على الحرية، وهذه الأخيرة لم تعدم الوسيلة في صراعها ضد طغيان السلطة وتعسفها وصولا إلى تحقيق التوازن المنشود بينهما
. وفي عصرنا الحالي فإن نظرة تلقى على نظم الغرب أو الشرق أو العالم قاطبة، الذي أصبح بفضل وسائل الاتصال والانتقال الحديثة قرية صغيرة، تظهِر أن هاجس البشرية الحديث أصبح حقوق الإنسان وحرياته و الحكم الديموقراطي. لذا نجد العديد من الوثائق الدولية و النظم الدستورية في مختلف دول العالم في الوقت الراهن، تؤكد على وجوب احترام الدولة وهيئاتها لحقوق الإنسان وكفالة هذه الحقوق بالطرق القانونية السليمة، البعيدة عن التحكم والانحراف والطغيان، حتى ولو كانت هذه النظم تمارس أنواع الظلم والطغيان من حيث الواقع الفعلي. فإذ كان القائمون على الحكم في الدولة يسيئون استعمال السلطة ويستبدون بها، فسيكون الخطر في هذه الحالة أشد وأمضى،لأن سلطة الدولة واسعة وقوتها ضخمة، ويكون الفرد أعزلا في مواجهتها. ومن هنا بدأ السعي الحثيث إلى الوصول إلى حل يوفق بين عناصر مختلفة ومتصارعة، هي السلطة والحرية، القوة والقانون. وكيف يمكن إيجاد الدولة التي يقوم فيها نظام الحكم على قواعد وأسس دستورية ملزمة، لا يستطيع الحكام أن يخرقوها أو يتجاوزوها دون أن يلقوا, ما يلقوا, من الوسائل القانونية والسياسية الرادعة والضامنة لعدم أقدامهم على ذلك أو معاقبتهم إذا ما أقدموا عليه. وبذلك يستقر النظام العام، وتزول الفوضى، ولا يعاني أحد من ظلم القانون أو يخشى من فساد تطبيقه
.. ويتأتى ذلك من خلال الوصول إلى النظام الدستوري والسياسي الذي يوفر البيئة الملائمة لإقامة نوع من التوازن بين السلطة والحرية، لأن تغليب السلطة على الحرية يؤدي إلى الاستبداد وانتهاك الحقوق والحريات، وتغليب الحرية على السلطة ينتهي إلى انتشار الفوضى والعشوائية وما يستتبع ذلك من انهيار الدولة والمجتمع. ويتحقق هذا التوازن من خلال التوفيق بين ضرورات السلطة وطبيعة وظيفتها وأهدافها، وبين أهمية الحرية وقدسيتها وتعلقها بالإنسان وكيفية توفير الحياة الآمنة والهادئة وتحقيق اكبر قدر من الرفاهية والسعادة له, كونه الهدف النهائي من إقامة الدولة وسلطتها السياسية وما قرر لها من سلطات وامكانات. فلا يمكن تصور وجود الدولة أو سلطتها السياسية إلا في إطار المجتمع الإنساني ومن خلاله، حسب الأصول الديمقراطية، كما أن الحرية ما هي إلا نظام قانوني لايمكن ضمان حسن التمتع به وممارسته إلا في إطار المجتمع المنظم بالقانون، والذي يكتسب شرعيته وهيبته وتتحقق له فاعليته وتأثيره والالتزام به، من خلال عنصر الجزاء الذي لايمكن تصور وجوده وتحقيقه إلا في إطار الدولة وسلطتها وأجهزتها المختلفة