وصف الكتاب
بين الموسوعات المتخصصة، تلك التي تقصر على تراجم رجال مهنة من المهن: كالأطباء، أو المهندسين، أو العسكريين، أو المكتشفين، وتلك الأخرى التي تفرد لعلماء اشتهروا بعلم بذاته: كموسوعات المحدثين، وعلماء العربية والمتكلمين والفلاسفة والمفسرين والمؤرخين، والموسوعات الثالثة: التي يخص أتباع دين من الأديان أنفسهم بها أو تخص بها نفسها طائفة من الطوائف، أو رجال مذهب من المذاهب متأخذ -أي الموسوعات- اسم ",الطبقات", أو ",الرجال",، أو ",المعاجم", ورابعة: اختارت لتخصصها أن تقتصر على البارزين في بلد من البلدان، أو عصر من العصور. أو جنس من الأجناس، أو ذوي عاهة من العاهات، كالعور والعميان.
وخامسة: هدفت لإحصاء واستقصاء المؤلفات الخاصة بعلم من العلوم أو فن من الفنون، أو ممارسة من الممارسات، أو هدفت لإحصاء واستقصاء المؤلفات بوجه عام: مع التعرض لتعريف مقتضب فقط لتلك المؤلفات، أو لتعريف بها وبمؤلفيها من آن.نقول بين الموسوعات المتخصصة، عدا التي ذكرنا نماذج لطوائفها، موسوعات قليلة أو نادرة تهدف لمهمة جزئية، هي التصدي لتقديم جماع من كل ما ذكرنا من اختصاصات، لعل في الطليعة منها، فيما يعود للعرب، أو طليعتها.
",الأعلام",: قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين",، وهو الاسم الذي وسم به الكاتب الفذ، خير الدين الزركلي، نتاجه الذي بدأه عام 1912، بعد الإعداد له قبل ذلك بسنوات- ولم ينفض يده منه طيلة ستين عاماً، باذلاً فيه ما قدره الله عليه من مساعي تطوير، أشار هو إلى بعضها في المقدمات التي صدر بها الطبعات الثلاث للأعلام: عام 1927 وعام 1957 وعام 1969، واستمر في بذلها إلى العشية التي توقف قلبه عن الخفقان.
لقد وفت ",الأعلام", بما رسمه مؤلفها من مهمة، تضمنت التعريف بالبارزين في العصور العربية السابقة، وذلك بالتواؤم مع خطر كل منهم، ولكنها -بخاصة- يمكنها أن تدل على سائر أترابها بظاهرة التبسط في ترجمة المعاصرين وإيراد المعلومات الرئيسة وذات الدلالة في حياتهم، مما يجعل الكتاب في مجموعة مرجعاً ذا أهمية وفائدة فريدتين، ندر توافرهما لمؤلف سواه. ولعل الأوضاع الحياتية التي كانت الإطار لوجود المؤلف: من شاعرية صافية اقتنع بها كل معنى بالنظم والقريض، إلى ملكة للتعبير النثري الجزل الدقيق المتمكن، إلى مهنة التثميل السياسي الأرقى لدولة عربية كبيرة، وما تشمله هذه المهنة من إتاحة تنقلات في بلدان العالم العربي والغربي، ولقاءات لأدبائها وبارزيها، وذوي القدرة والحرة إلى إدارتها وحقائقها، وإطلاع على كنوزها العلمية، في متاحفها، ومكتباتها العامة والخاصة... لعل كل ذلك كان الأساس الفريد الذي جعل ",الأعلام", نتاج سلسلة من العوامل الموافقة التي لم تتح لكثير من المؤلفين في التاريخ، وأتيحت للزركلي، مع رفده لها باهتمام وحدب ودأب، على التقصي والتوضيح والضبط والإتقان، بين المراجع المطبوعة والمخطوطة والمصورة، مما أدى بجماعه، كله إلى هذا المرجع النادر، والداعي بحق إلى الفخر.