وصف الكتاب
كتاب ديكارت ",رسالة في انفعالات النفس أو بعنوانه المختصر ",انفعالات النفس", الذي ننقله اليوم إلى قراء العربية، هو آخر كتاب حررته يد الفيلسوف الفرنسي، وقد كتبه بالفرنسية لا اللاتينية لأنه لا يريد حصر قراءته على فئة قليلة من الناس، بل يريده للجمهور التي تستطيع بسهولة أن تطلع عليه بلغتها، وتم نشر الكتاب أواخر عام 1649م. وقبل توزيعه كان مؤلفه قد سافر إلى استكهولم، عاصمة السويد في شهر أيلول (سبتمبر) تلبية لدعوة الملكة كريستين التي دعته ليعلمها الفلسفة، ليؤسس معهداً من أجل تقدم العلوم، غير أن المناخ هناك كان أقسى بكثير من صحة الفيلسوف البالغ الرابعة والخمسين من العمر، فتوفي بعد خمسة أشهر فقط، في الحادي عشر من شهر شباب (فبراير) سنة 1650م.
انفعالات النفس هو قبل كل شيء كتاب في علم النفس يحاول ديكارت فيه أن يحلل شتى الانفعالات والأهواء والعواطف ليلم بها ويفسر آليتها، ليسمح بعد ذلك للعقل أن يسيطر عليها ويسخرها لخدمة سعادة الفرد في حياته العاطفية. وهو كذلك كتاب في الأخلاق يكمل ما كان مؤلفه قد وضعه في علم الأخلاق المؤقت، ففي هذا الكتاب تلعب الإرادة دوراً هاماً لا من أجل اجتتاث الأهواء والانفعالات بل من أجل ترويضها وقيادتها نحو هذا النصر العظيم في حياة الفرد الاجتماعية، انتصاراً نبل القلب على كل بخل الخوف والتردد والجبن والحقارة.
وهو كتاب حول علاقة النفس بالجسد وما لكل منهما من انفعالات وملذات، النفس لها ملذاتها العقلية والجسد له أيضاً ملذاته ومتعه التي يجب ألا تهمل لصالح الأولى بحجة أولوية الروحي على الجسدي. فديكارت لا ينسى على الإطلاق هذا الإنسان الذي يحمل آلة الجسد، ويجب التمتع بنا يبيحه له هذا الجسد من خيرات ونعم.
يتألف الكتاب من ثلاثة أقسام، والقسم الأول يتناول الانفعالات والعواطف في نظهرها العام، وهذا ما يقوده إلى مفهوم خاص لطبيعة الإنسان: الانفعالات تأتي إلى النفس بقوة الجسد وما فيه من حركة ودينامية تحمل معها كل عنف الطبيعة والمفاجأة، وقد تبدو النفس ضعيفة في مواجهتها، لذا كان لا بد لها من التزويد بالمعرفة، غير أن النفس تخرج منتصرة من خضم هذه المعركة.
أما القسم الثاني فإنه يعالج النظام الذي تتبعه هذه الانفعالات والأحاسيس، ويميز ستة انفعالات بدائية أصلية هي التعجب والحب والكره والرغبة والفرح والحزن، وعنها تنبثق شتى الانفعالات والمشاعر والأهواء الأخرى.
أما القسم الثالث وهو الخير فقد أضافه ديكارت أثناء طبع الكتاب، وهو يتناول الانفعالات الخاصة المنبثقة من الانفعالات الأساسية وهي عديدة تزيد على الثلاثين، إذ تناولت مختلف المشاعر التي يعرفها الإنسان في فترة أو أخرى من حياته، فلقد انطلق التحليل من شعور الاحترام إلى الاحتقار، من التواضع إلى التعجرف.
ومن الامتعاض إلى الغضب، ومن المجد إلى العار إلى الابتهاج الذي يصاحب الشعور لدى الفرد بأنه كان أقوى من كل الصعاب التي عايشها، إلى ذلك الشعور الرائع الذي يعطي للإنسان كل معناه ويمده بكل كرامته، شعور النبل الحقيقي الذي يمنعنا من أن نحتقر أي إنسان لأن آخر واحد فينا يملك باستمرار هذا الخير الأعظم في الحياة، ألا وهو حرية الاختيار التي تصبغ معنى إلهياً على كل التجربة البشرية، لأنها تدخل بعد اللامتناهي على كل الوضع الإنساني المحدود الزمان والمكان.