وصف الكتاب
لا يمكن النظر إلى «لا تقتل عصفوراً ساخراً» رواية الكاتبة الأميركية هاربر لي إلاَّ وفقاً لطبيعتها الراصدة، التي تقدم وعياً خاصاً للحياة – ثلاثينيات القرن العشرين - وسواء أكان ذلك الوعي مرتبطاً بلحظة راهنة أم ماضية فإن هذه الرواية على الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على صدورها أول مرة، فهي ما تزال تبحث عن إجابة لأسئلة متصلة بالجماعة وبالوعي العام والفردي على مستوى المجتمعات، ليس في الولايات الجنوبية لأميركا فحسب، حيث تدور أحداث الرواية، بل في كل زمان ومكان، فعملية قتل عصفوراً مغرداً هي جريمة مثلها مثل قتل أي إنسان على وجه الأرض، لقد جعلت هاربر لي من روايتها إطاراً يعرض قيم وأفكار مرحلة ماضية في إطار تجربة معيشة، وليس مجرد أفكار تجريدية فقط، فالرواية لم تقدم قضية التفرقة العنصرية في أميركا فقط، بل عرضت للوجه الآخر من القيم المضادة والتي تتمثل في أهمية التمسك بالحق والعدل والمساواة في مواجهة الظلم والاستعباد، وبهذا المعنى تحمل الرواية أبعاداً سوسيولوجية تشهد على مأزق اللامعنى والعبثية المنحدرين من صلب الحضارة الغربية. فانفتاح الرواية على إطار مرجعي، تولد في إطار سياق اجتماعي معين - الاضطهاد العرقي للسود في أميركا - وعملية خلق عالم بديل أو موازٍ لهذا الواقع. على الورق جعل من هذا العمل نسقاً قيمياً له ملامحه الخاصة، بوصفه جنساً أدبياً له حضوره المتميز عند القارئ، يعيد تشكيل وعيه بالأشياء من حوله، يستطيع من ثم أن يعيد تشكيل وجوده في هذا العالم الواسع وموقعه كفرد فيه، ومحاولة تغييره أيضاً، وهذا التغير قدمته الروائية في سياق فني وبناء معماري يظل مؤثراً لمعاينة الماضي والآني في لحظة واحدة.
من أجواء الرواية نقرأ:
تمتعت بأني آسفة وجلست إلى مكاني وأنا أفكر في جريمتي. أنا لم أتعلم القراءة عمداً، ولكني نوعاً ما كنت أتخبط متعثرة وعلى نحو محظور في الجرائد اليومية. هل تعلمت يا ترى في الساعات الطويلة في الكنيسة؟ لم أستطع أن أتذكر أني كنت يوماً غير قادرة على قراءة التراتيل. والآن بما أني كنت مضطرة إلى التفكير بالموضوع، فإني أعتقد أن القراءة أمر أتاني هكذا، تعلمتها كما تعلّمت أن أزرر قاعدة سروالي الداخلي الشتوي الطويل دون أن أنظر إلى الخف، أو أن أربط سير حذائي صانعة منه عقدة ذات قوسين. لا أستطيع أن أتذكر متى بدأت الأسطر التي كانت فوق أصبع أتيكوس المتحرك تنفصل إلى كلمات، ولكني كنت أحدق فيها كل الأمسيات التي في ذاكرتي، وأصغي إلى الأخبار اليومية: مشاريع القوانين التي ستتحول إلى قوانين، ويوميات ",لورنزو داو",. وأي شيء آخر يحدث أن يكون أتيكوس يطالعه حين أتسلل إلى حضنه كل ليلة. وحتى الآن؛ أي حين أحسست أني قد أخسر القراءة، لم أشعر أني أحببتها في يوم من الأيام، فالمرء لا يحب التنفس مثلاً.
ولدت المؤلفة ",هاربر لي", في بلدة ",مونروفيل", من ولاية ألاباما عام 1926، ودرست في المدارس العامة المحلية وجامعة ألاباما، وقبل أن تبدأ بالكتابة عملت في قسم الحجز في شركة طيران عالمية. أما اهتماماتها إلى جانب الكتابة فهي لعبة الغولف والموسيقى، وعلم الإجرام وتجميع مذكرات رجال الدين من القرن التاسع عشر.