وصف الكتاب
يمكن للناقد، الذي يريد، تناول أفلام العنف والجريمة، التي تروج وترسخ النمط الأمريكي كنمط أوحد يهدف إلى إجبار العالم أن يكون على صوته، ويخرج هذا الناقد، بحصاد وفير من أفلام كثيرة رسمت أقبح الصور لشعوب العالم الثالث التي لا بد من أمريكي يهب لنجدتها كي يحررها من الطغاة الذين يتحكمون في مصائرها، أو يؤدبها. لكن هذه السينما في الحالتين، الجميلة والقبيح، تبقى أبرز وأخطر أعمدة الثقافة الأميركية، إذا ما قورنت بأي فن أو أي أدب آخر ينتج هناك، ويؤثر في كل مكان.
لقد عممت الحقب الماضية صورة كاريكاتيرية للمثقف: إذ أن اهتماماته غير اهتمامات البشر، يقرأ غير ما يقرأون، ويشاهد غير ما يشاهد من سواء من (العامة)، وله من القضايا الجليلة التي لا يمكن أن تنبت في تراب هذه الأرض، لأنه كوني، مترفع عن كل ما هو مشاع، ولأنه الخاص المنزه عن كل ما هو يومي، ولقد ظل هذا النمط من المثقفين يبتعد عن ",أرض الشر", حتى لم يعد ثمة مكان للسؤال الحرية أو سؤال الواقع الحقيقي في قاموس كتابته، وهكذا تمّ تبريد وتمييع القضايا الكبيرة كلها، وأصبح أهم معيار لكون الكتابة حديثة أن الناس لا يفهمونها. في حين أن كونية هذا المثقف التي يدّعيها، لا تؤهله أن يصل إلى بيته إذا ما وضعته على بعد شارعين منه؛ على حدّ تعبير أحد الروائيين.
ضمن هذه الرؤية النقدية تأتي المقالات في هذا الكتاب حول الحركة السينمائية المعاصرة. وتجدر الإشارة إلى أن الأفلام التي تمّ تناولها هي أفلام أمريكية، شائعة، باستثناء فيلم واحد للمخرج الإسباني كارلوس ساورا، وهو فيلم (تانغو) الذي أتيح له أن يعرض تجارياً في غير عاصمة عربية. وقد اكتفى الناقد بهذا المحور الذي شكل هاجساً من هواجسه الإنسانية والثقافية، وهذه الأفلام التي أتيح لكثيرين أن يشاهدوها، وربما يحبوها المخرجين كبار وممثلين لامعين، شكلوا جزءاً من حياتنا الروحية.
بالإضافة إلى ذلك آثر الناقد أيضاً أن يضمّ للكتاب ثلاث قراءات لثلاثة أفلام خارج السياق هي: تايتنك، أحدب نوتردام، وإنقاذ الجندي ريان؛ الأول لأنه فيم لا يمكن تجاهله كأكثر الأفلام نجاحاً على مستوى شباك التذاكر حتى اليوم، والثاني كواحد من الأفلام التي ذهبت نحو عمل أدبي كبير وطوعته لمتطلبات السوق، والثالث كواحد من أكثر الأفلام التي رُوِّجت (بعمق) لأهمية الفرد الأمريكي، في زمن لا ثمن فيه لحياة سكان هذا الكوكب، من وجهة نظر هذه القوة، ونحن نعيش عالم اليوم المتأرجح على حافة ألفيتين، لا رابط بينهما سوى ظلمة الليل. أقرأ أقل