يتميز عصرنا الحالي ببروز ظاهرة المشروعات الكبرى في ممارسة النشاط الاقتصادي، وتعاظم أهمية الشركات التجارية في مزاولة النشاط التجاري، وفي تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية.

والشركات تقسم من حيث الاعتبار الذي تؤسس بمقتضاه إلى طائفتين اثنتين هما شركات الأشخاص وشركات الأموال. ويقوم النوع الأول على الشركاء من علاقات وثيقة وثقة متبادلة، وتتميز هذه الشركات عموماً بمسؤولية للشركاء الشخصية والتضامنية غير المحدودة. أما النوع الثاني من الشركات فهي شركات الأموال والتي ترتكز، وعلى النقيض من النوع الأول، على الاعتبار المالي بغض النظر عن صفة الشركاء وعلاقتهم الشخصية أو غيرهما ينضوي تحت صفة الاعتبار الشخصي.

وتعد الشركات المساهمة من أنسب التنظيمات القانونية القادرة على الوفاء بطلبات العصر الحالي وذلك لما لها من قدرة على تجميع رؤوس أموال كبيرة واضطلاعها بالقيام بالنشاطات الاقتصادية ذات الأهمية المؤثرة ويقوم التنظيم القانوني للشركة المساهمة على مبدأ الجمع بين القواعد التقليدية لعقد الشركة وأحكام النظام القانوني، الأمر الذي كان له أثره في تحديد حقوق المساهمين وطبيعتها وأساسها وكيفية مباشرتها.

من هنا فإن حقوق المساهمين تتمتع بأهمية عملية استدعت تدخل التشريعات الحديثة لتنظيمها بنصوص صريحة إذ تنبهت هذه التشريعات إلى ظاهرة ضعف الطابع التعاقدي للشركة المساهمة وعدم كفاية قواعدها التقليدية في تأمين الحماية اللازمة لحقوق المساهمين فتدخلت تبعاً لذلك لتنظيمها بقواعد إمرة وحددت في الوقت نفسه وسائل حمايتها.

وتبدو هذه الحقوق للوهلة الأولى واضحة جلية لا تحتاج إلى عناء كبير في معرفتها والوقوف على ما هيتها، إلا أن الواقع غير ذلك. إذ أن الكثير من جوانب هذه الحقوق، وعلى وجه الخصوص التفاصيل الجزئية منها، هي ليست واضحة بالقدر الكافي ولم تكن محل اتفاق بين التشريع والفقه الأمر الذي تطلب منها بحثها وتحليلها خلال هذه الرسالة. من جانب آخر، فقد لاحظنا عند دراستنا افتقار المكتبة القانونية العراقية خاصة، والعربية علمتا إلى البحوث والدراسات المعمقة لهذه الحقوق. خلافاً لواقع الحال في الفقه المقارن، حيث يلاحظ وفرة الدراسات المتعلقة بهذا الموضوع، سواء في جوانبه العامة أو في تفاصيله الجزئية الخاصة.

وبغية الإحاطة التفصيلية بهذه الحقوق فقد عند ",فاروق إبراهيم جاسم إلى بيان موقف القانون المقارن منها، وبخاصة موقف التشريعات الحديثة. كقانون الشركات الفرنسي لعام1966 والقوانين المعدلة له، وقانون الشركات الإنكليزي لعام 1985، إضافة إلى الإشارة إلى بعض القواعد المستقرة في قوانين الولايات المتحدة الأمريكية.

وتأسيساً على كل ما تقدم اختصر هذا البحث على دراسة حقوق المساهم الأساسية في القانون العراقي والقوانين المقارنة، أي تلك الحقوق التي تتمتع بأهمية نظرية وعملية كبيرة.

ولغرض الإحاطة بالموضوع من جميع جوانبه بصورة واضحة جلية فقد قام بتقسيم الرسالة إلى فصلين خصص الفصل منها لبحث الحقوق المالية للمساهم. بينما تناول الفصل الثاني الحقوق غير المالية. وقد مهد لهذين الفصلين ببحث تمهيدي (فصل تمهيدي) حاول أن يبين من خلاله بعض القواعد الأولية اللازمة لبحث هذه الحقوق. لهذا بين في المبحث الأول من هذا الفصل المركز القانوني للمساهم، وذلك بتعريفه، وتمييز مركزه على المراكز القانونية الأخرى التي من الممكن أن توجد ضمن الشركة المساهمة، كحملة سندات القرض مثلاً وحملة حصص التأسيس. وخصص المبحث الثاني لدراسة الأساس القانوني لحقوق المساهم وهل هو عقد الشركة أم القانون. ثم بين بعد ذلك، وفي مبحث ثالث، المبدأ الذي يحكم الاشتراك في الشركة المساهمة وهو مبدأ المساواة بين المساهمين وذلك بتحديد معنى المبدأ أولاً وعرض مظاهره التشريعية والفقهية.

أما الفصل الأول فقد خصص لبحث الحقوق المالية للمساهم. وينقسم إلى ثلاثة فروع، تناول في الفرع الأول منه حق المساهم في الأرباح وذلك بتحديد كيفية حساب تلك الأرباح في مبحث أول، وبيان قواعد توزيعها في مبحث ثان. أما المبحث الثالث فقد حلل فيه حق المساهم في الفوائد ومدى مشروعية الشرط الذي يقضي بدفع فوائد ثابتة إلى المساهمين.

وتناولنا في الفرع الثاني من الفصل نفسه حق المساهم في التصرف بأسهمه وذلك من خلال تحديد قواعد التصرف بالأسهم في القانون العراقي في مبحث أول، وبيان القيود القانونية التي ترد على التصرف بها في المبحثين الثاني والثالث. ويبحث الفرع الثالث والأخير من الفصل الأول أحكام حقين أساسين هما حق الأفضلية في الاكتتاب بالأسهم الجديدة عند زيادة رأس المال، وحق المساهم في اقتسام موجودات الشركة عند تصفيتها. وقد خصص الفصل الثاني لدراسة الحقوق غير المالية. وقام بتقسيم هذا الفصل إلى ثلاثة فروع أيضاً. بين في الفرع الأول منه حق المساهم في حق المساهم في المشاركة في إدارة الشركة وتقرير سياستها العامة موضحين في مبحث أول حق المساهم في الاشتراك في اجتماعات الهيئة العامة للشركة، بينما تناول في مبحث ثان حق التصويت في الهيئة العامة. أما الفرع الثاني فهو يبين بيان أحكام الحق المذكور في مبحث أول، بينما عالج في مبحث ثان كيفية مباشرته وتحديد الوسائل التي تكفل التحقيق من صحة المعلومات المقدمة إلى المساهمين. ويبين الفرع الثالث من هذا الفصل حق المساهم في طلب بطلان قرارات الهيئة العامة للشركة، وذلك بتحديد أسباب البطلان في مبحث أول. ثم بيان أحكام دعوى البطلان في مبحث ثان. وقد عرض في الخاتمة النتائج العامة للبحث، والتي تتضمن تقويماً للمنهج الذي عالج به الشرع العراقي أحكام هذه الحقوق، والإشارة إلى بعض مواضع النقص في قانون الشركات النافذ واقتراح بعض الحلول التشريعية لمعالجتها.