وصف الكتاب
دأب العلماء على جمع ما يستحسنونه -مما طالعوه في كتاب أو استفادوه من جليس أو تلقوه من شيخ أو انقدح في أذهانهم من فكر- في مجموع غير موحد الموضوع لكن عميم الفائدة، وأهمية هذه المجاميع إضافة إلى قيمتها العلمية تكمن في كونها زاداً خفيف الحمل عميم النفع، يتنقل فيه المطالع من مبحث إلى آخر دون مظنه ملل أو صارف من إطناب.
ومن جملة هذه الكتب التي ذاع صيتها وفاح أريجها كتاب ",الفوائد", للإمام الشيخ ابن قيم الجوزية، وهو على صغر حجمه حوى مطالب عالية يندر وجودها مجتمعة في مصنف واحد، ويمكن اختصارها في أقسام ثلاثة:
أ-الحكم والوصايا: وهي كثيرة متفرقة في تضاعيف الكتاب، لخصت لنا خلاصة أعمار قائليها، وتميزت اختيارات ابن القيم سواء النثرية أو الشعرية بقدر وافر من البلاغة وأناقة الأسلوب تنم عن ذائقة جمالية مرهفة تطبع صاحب الاختيارات.
ب-تفسير بعض الآيات القرآنية: دعمها صاحب الكتاب بصحيح الآثار النبوية، وقد جمع في تفسيره بين اللفتات البلاغية، والقواعد الأصولية مع التعريج على بعض الأحوال العرفانية، فدلل باع طويل وقدم راسخة في هذا الفن.
ج-رقائق وزهديات: اعتماداً على تجربته الواسعة فلقد كان كثير العبادة مهتماً بتسليك نفسه، عارفاً بمسالك التزكية وكتابه ",مدارج السالكين", أصبح معراجاً لمبتغي السير محاطاً بحفظ القرآن ومصاناً بالسنن الصحيحة، كما اقتبس من أنوار أصحاب هذا الدرب كبشر الحافي وشقيق البلخي ومعروف الكرخي، مما جعل كتابه معلماً يدل على سبيل الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة.
وليس ما ذكرناه هو كل ما في الكتاب، فقد يجني متصفحه دقائق ولطائف تؤكد ما ذهب إليه المؤلف من تسمية كتابه بالفوائد. ورغبة منا في إعادة بعث هذا الأثر المفيد آثرنا إعادة نشره مع تقديمه: أولاً: قارن بين بعض نسخه المطبوعة للوصول إلى نص كامل من الكتاب, ثانياً: خرج أحاديثه -وهي ليست قليلة مقارنة بحجمه- مع الإشارة إلى إن ابن القيم لا يورد إلا ما صح من الآثار وذلك عائد لعلو كعبه في الصناعة الحديثية. ثالثاً: شرح ما غمض من ألفاظه منه في عدم حرمان القارئ ذو الثقافة البسيطة من فوائد هذا الكتاب، معتمداً في ذلك على أمهات المعاجم وبعض كتب التفسير. رابعاً: ترجم لأغلب الأعلام المبثوثين في ثنايا الكتاب مستثنياً من ذلك المشهورين حتى لا نثقل الكتاب بالمعلوم ضرورة، خامساً: ضبط الشعر وذكر وزنه إلى جنبه، سادساً: وضع عناوين للفوائد والقواعد والفصول الموجودة في الكتاب لأن المؤلف كان يكتفي بذكر كلمة (فصل) أو (فائدة) مجردة، شعوراً منه أن ذلك ييسر مباحث الكتاب لطالبها، سابعاً: ترجم للإمام ابن القيم ترجمة موجزة ذكر فيها شيوخه وتلاميذه ومؤلفاته لتعريف القارئ بصاحب هذا السفر القيم. أقرأ أقل