وصف الكتاب
التمثيل هو إنتشاء الشخصيات الدرامية وإحياؤها بعد أن كانت ميتة وجامدة في النص، فحركة الممثل الجسمانية مع ما يأخذه من حركات الآخرين هي ما يحقق له حركة الشخصية المجسدة؛ أي يستطيع الممثل أن يصنع حركة خاصة بالشخصية، وهذا هو جلّ إبداعه.
فبحث الممثل الدؤوب عن التفاصيل الصغيرة والكبيرة في كل من يصادفه من أناس في واقع الحياة، التي تتيح له فرصة مراقبتهم بشكل دقيق، يجعل لديه رصيداً متنوعاً من الشخصيات الواقعية، يستثمره في أدائه على خشبه المسرح، وهكذا يفعل معظم الممثلين.
وإلى هذا، فإن العمل المسرحي وإبداعاته لا تقف عند حدود أداء الممثل، بل إن له مكونات، ويمكن القول بأن المكونات الفنية للعرض المسرحي هو أداء الممثل وعناصر السينوغرافيا، وغيرها من المكونات التي تسهم في بنية العرض، تتحد جميعها لتصب في هدف واحد، فديناميكية الصورة في تواصل مستمر مع المتلقي، وهي تشكل سلسلة من الصور تشير إلى أفكار ومعانٍ، وتُقْرأ بالمستوى الفكري والنفسي، وبالتالي، فإن محاولة القراءة هذه ليست الوقوف على مكونات الصورة؛ بل ما تنتجه هذه الصورة من معان وتأويلات وأهداف على مستوى الأفكار والعواطف، وإزالة ما هو غامض ومشوّش عن معالمها، وبأكثر دقة، ما لا يقرأ أو ليس له معنى.
إن المتفرج يبحث دائماً عن الهدف والمعنى من خلال الصور، ومن خلال التشكيل الحركي للمشهد، فالقدرة على فهم بناء تركيب الصور والقطع، وعلى فهم كيفية تربيط الألوان هي الإسهام الخاص الذي يمكن للسينوغرافي أن يقدمه للعمل المسرحي؛ فالسينوغرافي يتوازى إبداعه مع إبداع المخرج نحو خلق رؤية يعززها أيضاً الجهود الإبداعية الأخرى، فهو يسهم في دعمه لرؤية العرض بتفعيل عمل عناصر السينوغرفيا، من خلال التصاميم التي يقدمها للمخرج، والتي يعتمدها هذا الأخير في بناء العرض.
لهذا نجد المخرج يعتمد، بالدرجة الأولى، على السينوغراف وتصاميمه لعمل عناصر السينوغرافيا في جغرافيا الخشبة وأماكن وجود الممثل، فالمسرح يتطور وينمو وفقاً للتطور الذي يحصل في الحياة؛ لأن المسرح مرآة عاكسة للحياة في وللواقع، وليس إنعكاساً جامداً؛ إنما هو إنعكاس تقويمي أو تطهيري، إذا جاز التعبير.
فالسينوغرافيا، بعناصرها وحضورها الإبداعي في المسرح المعاصر، أمر طبيعي، من خلال تطور المسرح وتقدمه، ومن خلال إستخداماتها مع حركة جسد الممثل، فحركة الديكور تؤدي بالضرورة إلى حركة الممثل، من خلال هذا يتضح أن المسرح هو عبارة عن لوحات متناغمة ومتدفقة، تحقق اللغة البصرية لسياق العرض بكامله.
هذا ولقد تطور مفهوم الإتصال بالصورة كثيراً، وحقق غرضه في مجال المسرح، من خلال عناصر السينوغرافيا، فالسينوغرافيا هي تنظيم الفضاء من جميع النواحي، أو هي ",فن تصميم خشبة المسرح بهدف خلق فضاء مناسب للنص وهو يتحول إلى عرض، ويجد فنان السينوغرافيا أمام مهام أخرى لصيغة بتنظيم هذا الفضاء.
والسينوغرافيا هي الممهدة والمسؤولة أولاً وأخيراً عن كل ما يجري فوق الخشيه، وهي التي تحقق للمثل الجهد الإبداعي وتبرز ما يجيش في نفسه من إنفعالات.
وعلى هذا، فإن من أهم دعائم العرض المسرحي الممثل والسينوغرافيا، والعلاقة التي تتمخض من إرتباطهما معاً مولدة ما يسمى بــ ",المفهوم البصري الذي قد تطور تطوراً ملحوظاً في العصر الحالي، وذلك نتيجة تسارع ظهور الثورة التقنية، مقروناً بتطور الحياة بكل وسائلها، فالمسرح يمتلك مهارات إنسانية متعددة، المؤلف بنصه، والمخرج برؤيته، والممثل بأدائه الصوتي والحركي والسينوغرافيا بتصاميمها وإشتغالها في خلق صورة العرض المسرحي.
إلا أن السينوغرافيا أخذ يتضاعف دورها وأخذت بإهتمام المختصين بالشأن الفني المسرحي، حيث انتهى عصر الديكور وأصبح جزءاً منها، وبرزت هي بأنساقها وتشكيلاتها وعانصرها التي تتآلف وتنسجم لتعمل مع بعضها، من أجل هدف واحد، هو تكامل العرض.
وفي هذا الكتاب يحاول المؤلف تسليط الضوء على هذين العنصرين: الممثل والسينوغرافيا، متحدثاً عن دينامكية جسد الممثل وعناصر السينوغرافيا في العرض المسرحي ثم علاقة الممثل بعناصر السينوغرافيا في العرض المسرحي، منهياً عمله البحثي هذا بالحديث عن بعض الأعمال المسرحية عن ما كبث.