وصف الكتاب
لم يكن غريباً أن يصف أحد النقاد اختيار اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية موضوع تقنيات الممثل بأنه مدهش ومثير للغرابة والمفاجأة. وأن يكون هذا الموضوع بالذات محوراً لاهتمام الباحثين والمنظرين وأصحاب التجارب طوال أيام الندوة الفكرية الثانية التي انعقدت بدولة قطر في مواكبة أعمال المهرجان المسرحي الثاني للفرق المسرحية الأهلية في دول مجلس التعاون. هذا شعور تملك الانطباع العام لدى المشاركين في أعمال الندوة الفكرية والمهرجان المسرحي، ولعل هذه الندوة بموضوعها هذا تعتبر واحدة من ثلاث أو أربع ندوات عربية كبرى خصصت لدراسة تقنيات الممثل.
وهنا تكمن أهمية هذه الندوة، وأهمية ذهابها للمثل في تلك الفترة بالذات ورغم أن أوساط المسرح في الخليج وربما في معظم البلاد العربية لم تقر بعد اعترافها بأن يستحوذ الممثل على اهتمام الدارسين والنقاد بالشكل الذي استحوذت عليه أعمال هذه الندوة التي يحتوي هذا الكتاب ثلاثة من أبحاثها لم يكن اختيار اللجنة الدائمة ومدراء الثقافة والفنون بدول مجلس التعاون ",تقنيات الممثل", موضوعاً للحوار والدراسة عبثاً أو ترفاً فكرياً. بل لقد كان يعبر عن ضرورة تاريخية، أدرك الكثير من المشاركين حيويتها وملازمتها للظرف الذي تمر به الحركة المسرحية العربية، وخاصة في دول مجلس التعاون.
فقد ظل الخطاب المسرحي في الثقافة العربية حتى نهاية السبعينات ينحاز بصورة مباشرة لمركزية النص وعمل المؤلف بحيث أن النقد لم يكن إلا نقداً لنصوص المسرح العربي بوصفها أدباً بلاغياً، ثم بدأت اهتمامات جديدة بالمخرج ومتممات العرض المسرحي في إضاءة وديكور ثم صار الخطاب يثير مسألة التكامل في العرض المسرحي، ويسجل توجهات جديدة للسينوغرافيا والقضاء والمثل... وحينئذٍ بدأ الاشتغال على الممثل مطروحاً في سياق العلاقة التكاملية للعرض. وعلى الرغم من تزايد الاهتمام بالمثل في الآونة الأخيرة إلا أن التكامل معه كذات وكلفة خاصة واستطتها الجسد وإيقاعها خليط من المشاعر الذاتية والموضوعية ظل محصور في دائرة عمل المخرج، وقليلة هي التجارب التي حررت الممثل من قناع الدمية التي لا خيار لها... ولا روح تبعث طاقتها ولا لغة تستقل بها في هذا الكتاب ثلاث محاولات ترتبط بالتجربة والمنهج والخبرة بالنسبة لأصحابها، فالدراسة الأولى تضع الممثل في مركز الإبداع المسرحي وتنطلق من ثم في محاولة جادة وجريئة لإعادة النظر في التجربة المسرحية في دول الخليج من خلال موضعة الممثل في سياقه المركزي الجديد.
وسيلاحظ القارئ نتائج هذه المحاولة وله أن يتحاور معها ويتفاعل اختلافاً وائتلافاً، ومثل ذلك يقال عن دراسة المخرج العرافي ",قاسم محمد", فقد طرح قضية المثل في إطار نظرية تكامل العرض المسحري مستجلياً العلاقة الجوهرية التي يرتبط خلالها الممثل بالمؤلف والمخرج وعناصر العرض المسرحي الأخرى. أما د. عوني كرومي فقد ذهب في محاولته إلى تفجير إمكانات الحوار حول قضاء عمل الممثل ابتداء من صلته بالفعل المسرحي (الدرامي) ومروراً بعلاقته بالحياة وارتهانه بوجود الإنسان، وتحول الاشتغال عليه. أي الممثل إلى علم ذي خصوصية خاضعة للتجربة والدراسة والملاحظة والاختبار، وانتهاء بالصعود إلى الاستقلال بلغة خاصة به قوامها الجسد بإشاراته ورموزه وإيماءاته وجماليته اللامحدودة