وصف الكتاب
لم يعرف التاريخ شخصية عظيمة مثل شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم تحظ سيرة عظيم من العظماء بما حظيت به سيرته عليه السلام من الاهتمام والعناية والتأليف في حياته العامة والخاصة، في خلقه وخلقه وشمائله وصحته وفرضه... لقد سطرت فيه مئات المؤلفات بين كبير وصغير ومنظم ومنثور.
وقد تناقل الناس أخباره صلى الله عليه وسلم مع أولى بوارق الوحي من علياء السماء، ورواه الخلف عن السلف، واهتموا بها اهتماماً عظيماً، فكانت لا تزال منار المؤمنين وسبيل العاملين وقدوة الداعين.
ومن أهم وأشهر ما صنف في السيرة النبوية كتاب ",السيرة النبوية", لابن هشام، لخص فيه كتاب ",السيرة", التي صنفها محمد بن إسحاق (151هـ)، وهذبها، وكان ابن إسحاق قد صنف سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وتوسع في ذكر أخبار الجاهلية قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وأشعار كثيرة للمسلمين والمشركين، فحذفها ابن هشام وكثيراً ما يشير إلى ذلك، كما استغنى عما ذكر من أولاد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام حين ذكر نسب الرسول صلى الله عليه وسلم ونبه إلى أشياء كثيرة تتضح لمطالع سيرة ابن هشام، ومن أهم الأمور التي أسقطها تاريخ الأنبياء من آدم إلى إبراهيم ومن ولد إسماعيل من ليس في عمود النسب النبوي الشريف كما حذف من الأخبار ما يسوء بعض الناس، ومن الشعر ما لم يثبت لديه ولكنه زاد فيه مما ثبتت لديه من رواته.
وقد روى ابن هشام سيرة ابن إسحاق عن الحافظ المتقن أبي محمد زياد بن محمد البكائي (183هـ) العامري الكوفي وهو أتقن من روى السيرة عن ابن إسحاق لذلك نسبت السيرة إليه وعرفت به لما فيها من رواية وتهذيب وكان ابن هشام يقدر إتقان زياد حق قدره، وليس أدل على ذلك من قوله (وأنا تارك أشياء بعضها يشنع الحديث به، وبعض يسوء بعض الناس ذكره، وبعض لم يقر لنا البكائي بروايته).
قال ابن خلكان: ",وابن هشام هذا هو الذي جمع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المغازي والسير لابن إسحاق وهذبها ولخصها وهي السيرة الموجودة بأيدي الناس المعروفة بسيرة ابن هشام. وتعد سيرة ابن هشام من أقدم وأجمع ما دون في السيرة النبوية.