السيرة الذاتية فن سرديّ راقٍ، وضع بصمته على جميع الآداب العالمية، وهو فن مراوغ، شديد الوعورة، يهاب ولوجه المبدع أيّاً كانت مكانته الأدبية والإجتماعية، وهو فن يستمد وجوده وجماله من ذات الكاتب وتجربته الحياتية، وقدرته على إستعادتها بحرية وسلاسة وعفوية، مع كل ما اكتنفها من مواقف ساخنة، ومحطات مثيرة، وتفاصيل حارة، تحتاج بعض الصراحة بصفتها كتابة إعتراف، وحياة خاصة، وصوغها بقالب سردي ممتع.

والسيرة الذاتية كفن سرديّ تأسر المتلقي وتحيله إلى حياة صاحبها وعالمه، ولأنها كما يقول عبد الرحمن منيف: ",... إستعادة لحياة كانت ذات يوم بكل ما حفلت به من متع وخيبات وجروح وما مازجها من رغبات الأحلام",، فإن السيرة الذاتية كلما توغلت في الخبايا الشخصية ومرايا المعيش، ورصدت حياة ذلك الإنسان بعيداً عن أهميته ومكانته بلغت الذروة من الصدق والحميمية؛ فكل حياة جديرة بأن تدون إن كانت صادقة ومعبرة بقلم فني رشيق.

ويحفل الأدب السعودي بين طياته بالكثير من تجارب كتابة السيرة الذاتية، التي جاءت إستجابة لشعور الرواد، ممن رافقوا مرحلة البناء والتأسيس والتحولات المادية والتعليمية والثقافية والإجتماعية، بضرورة تدوين ما عايشوه من تجارب وخبرات وأحداث، تمثل في مجملها توثيقاً لمسيرة شعب ووطن، لتكون ماثلة أمام الأجيال القادمة، على أمل أن تفيد منها في مسيرتها لبناء مستقبل زاهر بعون الله.