وصف الكتاب
إن كتابات التي كتبت عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرة، ولا تدعى صفحات هذا الكتاب القليلة أنها تضيف جديداً إلى ما كتب، ولكنها تعتقد أنها تمنح الحرارة في التفاعل مع الشخصية النبوية الكريمة، وتجعلها حاضرة في حياة الناس وسلوكاتهم، حيث تتميع هذه الحياة، وتتميع هذه السلوكات أمام ركام الغزو الفكري الأوروبي الصليبي والتوجيه المادي للحياة.
فالرسول صلى الله عليه وسلم القدوة هو الذي ينبغي أن يتخذه الناس مثلاً أعلى للتعامل، ومثلاً أعلى في السلوك، ومثلاً أعلى في علاج مشكلات الحياة، ويتخذوا عقيدته التي جاء بها من عند الله نظاماً شاملاً للحياة، بحيث يكون هوى الناس، وأفكار الناس، وتنظيمات حياة الناس تبعاً لما جاء به الرسول القدرة. (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به). كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.
فإذا كان الهوى، يوحي بالمشاعر والعواطف التي يفترض أن تنبع من هدى الرسول والعقيدة التي أرسل بها، فأولى أن يكون الفكر والسلوك، والحكم والإدارة والعلاقات الإنسانية العامة مستوحاة مما جاء به الرسول، ",قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين",.
فالذي جاء به الرسول هو الهدى، وهو النور الذي يضيء دروب الحياة، ويعطي للحياة، معناها وهدفها، وللإنسان وظيفته ورسالته.
والذي نلحظه من تعامل الناس مع الشخصية النبوية اليوم يمكن أن نتأمله من خلال أربعة اتجاهات: الأول: يمثل عامة الناس الذين يحبون الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه لا يتمثل في سلوكهم وتعاملهم تمثلاً رسالياً واعياً. والثاني: يمثل الصوفية بما في سلوكهم من شطحات، وبما في نظرهم من مبالغات، وتركيز على المظاهر الجسدية لشخصية الرسول، أو معجزاته (عليه الصلاة والسلام)، من دون توظيف حي لمبادئ الرسول في مقاومة الظلم والانحراف اللذين جاء محارباً لوجودهما في حياة الناس. والثالث: يبعد السيرة عن حياة الناس بحجة أنها دخلها شيء من الإضافات وشيء من التحريف من لدن الناس.
أما الاتجاه الرابع: فهو الذي يمثل النخبة الواعية من علماء الأمة وشبابها المجاهد، وهو اتجاه يحارب على جبهات عدة، يحارب جيوش الحكومات وجيوش المفكرين المتغربين، وجيوش الأحزاب العلمانية، ويجتهد أن يوصل صوته إلى الأمة، كل الأمة، ولكن عبر عقبات ضخمة وعبر أجواء من الحرب النفسية التي تشنها الاتجاهات المالكة لرقاب الناس وحياتهم، غير أن الصدق والتوكل على الله كفيلان بأن يبلغ هذا الاتجاه مداه في إقامة شرع الله، ورفع كلمته العليا، وتجسيد سيرة الرسول الأعظم في حياة الناس وشؤونهم...