وصف الكتاب
كانت الأسطورة عند أقوام الأزمنة القديمة أساس الحياة الاجتماعية والثقافية. وهي واقعية ومقدسة لذا غدت نموذجاً. لكن قد جرى النظر إلى الأسطورة في العصور القديمة على أنها تعني الوهم والخرافة. ومؤلف هذا الكتاب يعارض من يعتبر أن الأسطورة هي رواية لتاريخ مقدس يخبر عن أحداث وقعت في الزمان الأول، قامت بها الآلهة والكائنات الخارقة العظيمة، وهو يعبر في كتابه على إظهار العلاقة بين دينامية اللاشعور -كما تتجلى في الأحلام وفي المخيلة- وبين البنى الموجودة في العالم الديني. حيث لاحظ في عالم الأحلام وجود تلك الرموز والصور والوجوه والأحداث التي تشكل نبيان الميثولوجيات. ويرى المؤلف أن الأسطورة بنمط وجودها تكشف عن شيء معين هو إبداعي ومقدس لأنه يؤسس بنية للواقع وسلوكاً للبشر. لأن الأسطورة تروي دائماً أن شيئاً معيناً تم بالفعل وإن حدثاً جرى في البدايات وحصل في الواقع بالمعنى الدقيق للكلمة.
إن الكاتب في هذا يؤكد بصورة جلية على بنية ووظيفة الأساطير، ويذهب إلى أن لا وجود للأسطورة إذا لم تعمل على إماطة اللثام عن سر ديني وإذا لم تكشف عن حدث أولي قديم أسس بنية للواقع أو سلوكاً للبشر. كما يحاول الكاتب أيضاً إثبات العلاقة بين عالم الأحلام وعالم الأساطير حيث تم العثور على تماثل بين الشخصيات والأحداث الأسطورية وبين شخصيات الأحلام والأحداث التي تجري فيها. وعلى وجع العموم فإن هذا الكتاب يشكل مدخلاً لفهم العوالم الداخلية للإنسان وعلاقتها بالواقع.
لم يعد الإنسان من بلاد الغرب سيد العالم. أمامه الآن, محاورون, لا مجرد أبناء بلدان بعيدة, ومن المهم أن يعرف كيف يدير الحوار مع أقوام غريبة, لابد له من الاعتراف بعدم وجود انقطاع بين العالم البدائي أو المتخلف وبين بلاد الغرب. ومن الواجب إعادة اكتشاف الينابيع الروحية الموجودة خارج النطاق الأوروبي.
ذلك ما يلفت الانتباه إليه ميرسيا إيلياد, الباحث في تاريخ الأديان وفي علم الأساطير, ومن أبرز قادة الفكر, يقول: إن الأسطورة هي من أهم الاكتشافات في القرن العشرين. وما زال الإنسان يحمل بقايا ميثولوجية في لا شعوره, يحياها في وجدانه, وفي أحلامه, تفعل فعلها في نفسه وفي سلوكه, بصورة خفية أو مموهة.
من خلال الأساطير, تناول ميرسيا مشكلات شغلت الإنسان في الأزمنة القديمة, كما في الزمن الراهن. ومنها الألم والقلق والموت. وقدم أيضاً أبحاثاً عن الزمان والتاريخ, وعن المقدس والدنيوي. وتحدث في مناسبات عديدة, عن الحنين الى الفردوس وعن الرغبة في تجاوز الشرط البشري.
هذا الجانب من التراث الإنساني يبرز أهمية دراسات ميرسيا إيلياد ويبين ضرورة نقلها الى العربية.