وصف الكتاب
تطور علم التسويق في الدول المتقدمة تطوراً كبيراً، سواء من الناحية العلمية أو العملية وساهم في دفع عجلة التقدم الاقتصادي فيها إلى الأمام . ولكن التسويق في الدول النامية على النقيض من ذلك لا زال يحبو سواء على المستوى العلمي أوالعملي ، فأما من حيث الجانب العلمي فقد كانت معظم مؤلفات التسويق العربية تقليدية ، بمعنى أنها جاءت سرداً لأنشطة ووظائف التسويق دون أن تولي اهتماماً لنظريات التسويق الحديثة مثل مفهوم التسويق الحديث ، ونظرية النظم في التسويق ، وإن ذكرتها مرت بها إلماماً دون محاولة لوضعها موضع التطبيق أو التحليل ، كما أنها جاءت مترجمة عن الكتب الغربية ولم يتم تكييفها أو تطويرها بما يتلاءم مع ثقافتنا وحضارتنا الإسلامية . تحدث الفقهاء إلى وجوب العلم بأحكام البيع والشراء حيث يجب على كل من تصدى للكسب أن يكون عالماً بما يصححه ويفيده لتقع معاملته صحيحة وتصرفاته بعيدة عن الفساد . فقد رُوي أن عمر رضي الله عنه كان يطوف بالسوق ويضرب بعض التجار بالدرة ويقول : لا يبيع في سوقنا إلا من يفقه ، وإلا أكل الربا شاء أم أبى. وقد أهمل كثيرٌ من المسلمين الآن تعلم المعاملة وأغفلوا هذه الناحية وأصبحوا لا يبالون بأكل الحرام مهما زاد الربح وتضاعف الكسب ، وهذا خطأ كبير يجب أن يسعى في درئه كل من يزاول التجارة ليتميز له المباح من المحظور ويطيب له كسبه ويبعد عن الشبهات بقدر الإمكان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ) . فلينتبه لهذا من يريد أن يأكل حلالاً ويكسب طيباً ويفوز بثقة الناس ورضى الله . عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهة ، فمن ترك ما يشتبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان . والمعاصي حمى الله من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه ) رواه البخاري ومسلم . هذا الواجب أهمله مؤلفوا مبادئ التسويق الذين جاءت كتبهم ترجمة حرفية للكتب الغربية ، كما أهمل بعض التجار إن لم يكن الكثير منهم مبادئ دينهم ، إما جهلاً أو تجاهلاً وهم يسعون وراء الربح السريع ، فأدخلوا إلى بلادهم الفراخ الفاسدة ، والسمك الملوث ، والبضاعة التي انتهت صلاحيتها . . . إلخ . فضلاً عمن يمارس الغش والخداع والرشوة ... وقد كان نابليون بونابرت إذا أراد أن يشتم البريطانيون كان يقول : ", أنهم أمة من التجار ", فأين نحن الآن من ذلك ؟ إننا لا زلنا نستورد البضائع من الدول التي تشتم نبينا وتسفه ديننا ، لقد وضعنا عند ممارساتنا التجارية ديننا خلف ظهورنا . بل وتركنا هذا العلم بأكمله للغرب يبيع ويشتري فينا لجهلنا بهذا العلم ، ونخسر كل عام مليارات الدولارات بسبب هذا الإهمال ، ويكفي أن أضرب مثلاً واحداً لهذه الخسارة الهائلة إذ تشير الإحصائيات إلى أن حجم التجارة البينية ( أي بين الدول العربية ) هو 8% فقط ، إذا عكسنا هذا الرقم يصبح 92% من البضاعة مستوردة . وكم هو حجم التجارة العربية مع الخارج ؟ بمئات المليارات أي أن خير هذه الأمة يذهب لغيرنا ، بدلاً من أن نشتري البضائع من بلادنا ، لقد فشلت الجامعة العربية منذ ستون عاماً في إنشاء السوق العربية المشتركة أي منذ إنشائها وحتى الآن وهي تحاول بدون نتيجة . ولم ندخل أقسام علم التسويق إلى جامعاتنا العربية إلا حديثاً جداً ، بينما نجد أن في اليابان ليس قسم تسويق أو كلية تسويق بل جامعة للتسويق يُعلّم بها خمسون بروفسوراً . ولا زال التسويق في أذهان الناس هو ( البيع ) فقط ، أين نحن من قول الرسول صلى الله عليه وسلم التاجر الأول الذي عمل في التجارة عشرون عاماً لحساب السيدة خديجة رضي الله عنها ( لا خير في أمة تأكل مما لا تزرع ،و تلبس مما لا تصنع ) . ولقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : ", ليس هناك مكان في الأرض أحب أن يأتيني الموت فيه بعد الجهاد في سبيل الله إلا أن أكون في سوق أبيع وأشتري فيه من أجل عيالي ", . ولما سُؤل ماذا يحب أن يتاجر فيه ، قال : العطر ، وسُؤل لماذا ؟ قال : إن لم يبيع شيئاً فإنه لا زال يشم رائحة العطر . ولقد كان أبو بكر رضي الله عنه تاجراً ، وقد قيل أنه ستة من العشرة المبشرين بالجنة ماتوا وهم من أصحاب الملايين ، ومنهم عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم . والذي قيل عن الأخير بسبب مهاراته التسويقية أنه لو وضع يده في التراب لأصبح ذهباً ، هل نترك هذا العلم الذهبي ( علم التسويق ) يذهب إلى الغرب ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تسعة أعشار الرزق في التجارة ). علينا أن نشتري من بعضنا ونتوسع في معاملتنا ونقوي اقتصادنا ونقلل من البطالة من بين خريجي جامعاتنا . أين جامعاتنا من ربط العلم بحاجات المجتمع بدلاً من تخريج آلاف العاطلين عن العمل وفي تخصصات لا يريدها السوق ولا المجتمع ونهمل التسويق الذي تحتاجه مجتمعاتنا أشد الحاجة . هذا وقد أجمع العديد من العلماء بأنه لا تنمية اقتصادية في بلدان الدول النامية بدون الاهتمام بعلم التسويق ، فهذا مثلاً د . خان قد قام بدراسة التسويق في الباكستان ، وخلصت دراسته إلى أنه يجب بذل مزيد من الجهود لتحسين كفاءة التسويق إذا ما أُريد للاقتصاد الباكستاني أن يحقق أهدافه . وهذا سنج في الهند قد درس التسويق في بلاده وخلص إلى ما خلص إليه خان بأنه إذا ما تم تنظيم قطاع التسويق بكفاءة فإنه قادر على تحقيق مساهمة أكبر في تقدم الاقتصاد الهندي . وكذلك قام د . فؤاد سالم من الأردن واستنتج بأن التحسن في نظام الاقتصاد في الأردن ممكن إذا تم الاهتمام بعلم التسويق . كما قام د . عبد الإله من الكويت بدراسة مؤسسات التوزيع وخلص إلى ضرورة تحسين أدائها . وأيضاً قام د . كامل من مصر بدراسة التسويق في مصر وخلص إلى ضرورة كفاءة التنسيق بين المؤسسات التسويقية والتي بدورها تؤدي إلى تخفيض عدم الكفاية في الممارسات التسويقية . أشارت جميع الدراسات السابقة التي تم سردها إلى أن التسويق في البلدان النامية غير كفء ، وأدى عدم تقدير أهمية التسويق إلى خلق مشاكل عدم الكفاية والتي من شأنها أن تؤدي إلى الإسراف في استخدام الموارد النادرة وإلى تخلف التنمية الاقتصادية في البلدان النامية والتي لا سبيل إلى تقدمها إلا بالاهتمام بعلم التسويق . وهذا ما نصح به عالم التسويق الأمريكي المعروف كوتلر «إلى أن التسويق الذي كان قادراً على تحريك وتوسيع الاقتصاد في الدول المتقدمة قادراً أيضاً على تحقيق نفس النتائج في الدول النامية» . لهذا كله قررت بعد التوكل على الله ملأ هذا الفراغ وتأليف هذا الكتاب الذي يعيد علم مبادئ التسويق إلى أصوله الإسلامية ليجمع بين الأصالة أي أصوله الإسلامية والمعاصرة أي الاستفادة من التقدم العلمي الحديث في هذا المجال وما وصلت إليه علوم التسويق العصرية . ويتوقع أن يستفيد من هذا الكتاب : طلاب التسويق في الجامعات العربية وفي الكليات المتوسطة ومعاهد التدريب وفي أقسام الدراسات العليا ، حيث يجمع الكتاب بين منهجي مبادئ التسويق وإدارة التسويق من منظور إسلامي . أساتذة علم التسويق في الجامعات العربية العامة والخاصة . المدراء الممارسون لأنشطة التسويق المختلفة في الشركات والمؤسسات العامة ومؤسسات الخدمة والمدراء العامون سواء كانت شركاتهم تهدف إلى الربح أو لا تهدف إليه . الموظفون والتجار الممارسون لأنشطة التسويق المختلفة في مختلف القطاعات . القارئ العادي الذي يرغب في أن يكون مثقفاً لما يدور حوله ، فكلنا نمارس التسويق بطريقة أو أخرى . ويتميز هذا الكتاب عن غيره من كتب مبادئ التسويق الأخرى بالآتي : - أنه أول كتاب مبادئ تسويق يتم تأليفه من المنظور الإسلامي لما فيه صلاح ديننا ودنيانا أنه يعتمد النظريات الحديثة في التسويق مثل مفهوم التسويق الحديث ، ويوضح كيف يمكن تطبيقها والاستفادة منها . أنه يستخدم نظرية النظم منهجاً في عرض محتويات الكتاب ، وبذلك يتم وضع هذه النظرية موضع التطبيق الفعلي ولأول مرة في تبويب وفهرسة ومعالجة محتويات الكتاب ، فلا يكتفي المؤلف بمجرد السرد النظري لمفهوم نظرية النظم . كذلك جاء منهج ومحتويات الكتاب ليلبي حاجة مستخدميه ( المستهلكون ) سواء كانوا طلاباً أم عاملين في حقل التسويق . هذا وقد روعي في تأليفه أيضاً أن يكون وفقاً للمناهج المتعارف عليها من وضع أهداف لكل فصل ولمخص له في النهاية ، وتثبيت للمراجع ، وأسئلة عامة عن محتويات الكتاب . . . . إلخ . وأخيراً هذا الكتاب قد تم تحكيمه علمياً ، وذلك يعطيه جودة تعليمية ، آملين أن نكون قد وفقنا إلى إضافة متواضعة إلى مكتبة التسويق الإسلامية العربية.