حاول بعض النقاد والشراح السابقين، بطرقهم الخاصة، رصد شعر الكميت ابن زيد ودراسته وتتبع أخباره وسيرته، وقد استطاعوا أن يلتقطوا المواطن التي كان فيها مادحاً أو هاجياً، غير أن الكشف عن الكميت لا ينتهي عند هذا الحد، إذ أن الباحث في دراسته هذه حاول التقرب أكثر من شخصية هذا الشاعر ونفسيته، لمعرفة بعض مواقفه من الحياة، وليرى ماذا رسبته التجربة في ذهنه، ويمكن القول بأن الكميت لم ينل حصته من البحث والتعقيب، ولم يكتب المؤرخون له كما فعلوا مع المثلث الأموي (جرير والفرزدق والأخطل)، أما الظروف سياسية أو عقائدية، مما دفع الباحث إلى الإشارة إلى الحقبة المهمة في حياة هذا الشاعر، وهي الحقبة التي ارتبط اسمه بالشعراء السياسيين. فقد توزع شعره في مدح بني هاشم وبني أمية وهما على طرفي نقيض. وهذا يبدو غريباً من رجل عرف أن الشيء الواحد يمكن أن يقبل الوضعين في ظرفين مختلفين. فهناك ما يجذب في شعر الكميت ويأسر الناس إليه، انه صورة تعتبر للباحثين والدارسين أدباً أصلاً وعريقاً، وجديراً بكل اهتمام ورعاية.

هذا وأن هذه الدراسة أظهرت أن الكميت قد أسهم في أثراء تراثنا الأدبي من واقع ظروفه، وبيئته وتطورها السياسي والاجتماعي، والشيء الوحيد الذي نجح فيه الكميت، أنه ترك للآخرين مصدراً دائماً ينطوي في الوقت نفسه على متعة حقيقته ألا وهو شعره. في هذه الدراسة اعتمد الباحث طريقة شبه موسعة ومتعددة الجوانب حول هذا الشاعر وما يتصل به من معالم جديدة، وحول الدوافع الخلفية التي شكلت بالضرورة تكوينه الذهني والنفسي وتركيبته الذاتية، إضافة إلى ما يحويه شعره من مقتضيات العقل ونتاجات الفكر العربي. وقد تمت على عدة فصول: الفصل الأول: أشكال الحياة في عصره. الفصل الثاني: مدخل نحو الشعر الأموي وأغراضه-الشعر السياسي ونشأته ومجمل خصائصه، الفصل الثالث: نسبه وحياته وخصائصه النفسية-علاقة الكميت بالدولة الأموية. الفصل الرابع: أغراضه الشعرية والهاشميات-الخاتمة، وبعض نماذج من أشعاره وأخباره. وقد أدرج الباحث كشافاً بأسماء المصادر والمراجع التي استعان بها في إخراج هذه الدراسة، مرتباً حسب التسلسل الأبجدي.