وصف الكتاب
من أعظم ما ابتليت به الأمة في هذا الزمان هذه الجيوش والعساكر المنتشرة في أقطارها المختلفة.. فهي ظاهرة مرضية عامة ومشكلة كبيرة، ومدار جدال واسع وكبير بين قطاع الشباب حول مدى شرعية هذه الجيوش.. ومع ذلك فالمسألة لم تخضع للدراسة والبحث والإفتاء من قبل فقهاء العصر!!
فقد قلبت ما صُنف في كتب النوازل وغيرها من الكتب التي تحتوي على مجموع فتاوى المعاصرين، فلم أجد كلاماً شافياً ولا غير شافٍ في المسألة، وكأن هذه الجيوش من الأمور المسلمات - كالطاهر المطهر - لا يجوز أن يُقال فيها قولاً فضلاً عن أن يُشكك بها أو تناقش أحوالها وعدالتها ويُبين حكم الله فيها!!
قد تناول القوم كل شاردة وواردة، ولم يدعوا فرعية إلا وغاصوا فيها وتكلموا عنها، وفرعوا لها فروعاً أخرى وأجابوا عنها.. إلا هذه الجيوش الجاثمة على صدر الأمة ظلماً وزوراً فلم يأتوا على ذكرها في شيء، ولم يبينوا حكم الله فيها، ولا حكم من يلتحق بها.. فهي عما يبدو - لصريح إيمانها وإسلامها - لا تستحق منهم البحث ولا البيان أو النقاش!!
تركوا المسائل الهامة العامة.. وأقبلوا - رهبة أو رغبة - على بحث مسائل يقل نفعها إذا لم يكن نفعها معدوماً!
وأحسنهم الذي إذا سئل عن هذه الجيوش تراه يعرض عن الإجابة، ويلوي حنكه وخصره وكأنه غير معني من السؤال ليصرف السائل عن سؤاله ومقصده!
بل وجدنا من هؤلاء الفقهاء من جند نفسه وجند أبناءه في هذه الجيوش، وجعلوا من أنفسهم وعلمهم بوقاً دعائياً يذودون به عنها.. وكأنهم في جيوش الصحابة الأوائل!!
وفي المقابل رموا كل من خالفهم أو قال قولاً مغايراً لقولهم في هذه الجيوش الظالمة بأنه من الغلاة.. وأنه غير وطني، أو خائنٌ للوطن والشرف العسكري!!
والذي يهمنا من الإشارة إلى هذا التقصير والتفريط المخل أن نستحث همم الباحثين والفقهاء على أن يؤدوا أمانة العلم الملقاة على عاتقهم، وأن يقوموا بدورهم الصحيح في بيان حال وحكم هذه الجيوش المعاصرة، نصحاً للأمة وإبراءً للذمة.. فالعلم له ضريبة - والله تعالى سائلهم عنها - لا بد من أدائها بسخاء وطيب نفس، وضريبته بيانه وعدم كتمانه، والصدع بالحق في وجوه الطغاة الظالمين.
ضريبة العلم.. تكمن في إخلاص النصح للأمة وعدم غشها أو الكذب عليها!!
ضريبة العلم.. أن لا يوقع أهله عن رب العالمين من فتاوى وأحكام إلا فيما يرضي رب العالمين جل جلاله .
ضريبة العلم.. أن يصونه أهله عن الذل والتمرغ على عتبات الطاغوت يستجدونه العطاء والفُتات!
ضريبة العلم.. أن لا يخشى أهله في الله لومة لائم.. فمهابة الظالمين في الحق لا يؤخر أجلاً ولا يمنع رزقاً، كما في الحديث: ",لا يمنعنَّ رجلاً هيبةُ الناس أن يقول بحقٍّ إذا علمه، فإنه لا يُقرب من أجلٍ ولا يُبعد من رزقٍ ", .
ومما يجعل الحاجة ماسة لبحث المسألة - إضافة لما تقدم - أن كثيراً من أبنائنا وشبابنا يذهبون للجندية في هذه الجيوش الآثمة الطاغية طواعية من تلقاء أنفسهم مقابل رواتب زهيدة يُعطونها.. ظناً منهم أنهم بذلك يفعلون خيراً، أو يكتسبون صفات المجاهد في سبيل الله، ولهم أجره وثوابه!!
لذا فقد تعين البحث والبيان.. ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حيى عن بينة، متكلين على الله تعالى، فهو حسبنا ونعم الوكيل.