تشمل دراسة تاريخ القوانين والنظم الاجتماعية والقانونية الحالات والظروف التي تكونت في ظلها القواعد القانونية، كما تشمل أيضاً التطورات والتعديلات المختلفة التي أصابت تلك القواعد خلال العصور المتعاقبة حتى وصلت إلى مرحلتها الحاضرة، وقد أظهرت الأبحاث التاريخية الحديثة مدى التشابه في مراحل تكوين وتطور النظم القانونية، دون الاضطرار إلى الاقتباس عن بعضها البعض. فالنظم قد تتماثل بسبب ظروف عارضة، أو بسبب ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية ودينية متشابهة. ويظهر هذا التقارب واضحاً في تاريخ الشرائع القديمة في الحضارات المصرية وبلاد ما بين النهرين والكنعانية والفينيقية واليونانية والعربية-الإسلامية والرومانية، سواء أكان ذلك في العهد الذي نشأت التقاليد القانونية أم في العهود اللاحقة التي تطورت خلالها هذه التقاليد. واجتمعت الآراء على أن النظم القانونية الحالية ما هي إلا تهذيب لنظم سابقة، وعلى أن الكثير من النظم والقواعد القانونية الوضعية قد نشأ منذ أقدم مراحل التاريخ وما زال يحكم بعض العلاقات الإنسانية. ومن هنا فلا يمكن فهم النظم المعاصرة إلا بالرجوع إلى أصولها التاريخية وتطورها عبر العصور المتعاقبة. فالدراسة التاريخية للنظم القانونية لا تقتصر على البحث فيها من خلال العصور المختلفة، بل تتعداها إلى اكتشاف أسباب تطور القواعد القانونية وحقيقتها. ويرمي البحث في هذا الكتاب إلى دراسة تاريخ النظم القانونية والاجتماعية القديمة التي أثرت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في نظمنا القانونية المعاصرة، وتركت آثاراً لا تحمى، أو أورثتنا مؤسسات قانونية ما زلنا حتى الوقت الراهن، نسير على هويها. وعلى ذلك ينقسم البحث في الكتاب على فصل تمهيدي وأربعة أبواب: في الفصل التمهيدي ثم تناول أصل نشأة المجتمع المنظم وتطور فكرة القانون بصفة عامة، أما الفصل الأول فخصص لدراسة القوانين والنظم في المجتمعات الشرقية القديمة، في حين أفرد الباب الثاني لدراسة القانون الروماني والنظم الرومانية، أما الباب الثالث فجاء لدراسة القانون والنظم الأوروبية التي سادت في العصور الوسطى، هذا وتم تعقيب هذا الباب بباب أخير وهو الرابع وذلك لدراسة الشريعة الإسلامية والنظم الإسلامية باعتبارها مصدراً أساسياً لكثير من النظم القانونية الحديثة.