وصف الكتاب
عد القرن الثالث الهجري عصر وضع القواعد والخوض في فنون شتى من البيان والبلاغة، والمنظوم والمنثور وامتد ليصل إلى القرن الرابع الهجري الذي عد عصر اختصاص واحتراف ونضج في مختلف الفنون، كان عصر ابتكار وخلق وإبداع إذ أطل علينا من خلال هذين القرنين وقرون متقدمة عدد من الأدباء والعلماء والكتاب والشعراء كان لهم واسع الفضل في البحث والدراسة، منهم الجاحظ الذي كان درة ثمينة في جبين العربية والإنسانية، عالماً في كل فن خفيف الظل يخلط بين الجد والهزل، والثعالبي الذي كان من خيرة نوابغ عصره، أديباً وكاتباً ولغوياً وإخبارياً، وأبو حيان التوحيدي الذي امتاز بتنوع موضوعات الأدبية، حاملاً الكثير من المعاني معتنياً عناية فائقة بالألفاظ، ذو أسلوب زاخر بالمزاوجة والسجع كما الجاحظ، وابن العميد عين المشرقة ولسان الجيل وأوحد عصره في الكتاب، إذ يضرب به المثل في البلاغة وينتهي إليه في الإشارة بالفصاحة والبراعة، والمرزباني الذي كان عالماً واسع الإطلاع. دقيقاً في رواياته صادق اللهجة، حسن الترتيب لما يصنف والمقري جاحظ البيان، كان كالجاحظ في تقسيم العبارات، وإيراد التشبيهات والاستعارات، والجناس السجع، كان آية باهرة في علم الكلام والتفسير والحديث، ومعجزاً باهراً في الأدب والمحاضرات، وجحظة البرمكي كان فاضلاً صاحب فنون وأخبار ونجوم ونوادر ومنادمة، حسن الأدب، كثير الرواية للأخبار متصرفاً في فنون من العلم والنحو واللغة والنجوم، ومليح الشعر مقبول الألفاظ، والمبرد النحوي اللغوي الأديب حسن المحاضرة، فصيح العبارة، مليح الأخبار، والرامهرمزي حسن التصنيف ومليح التأليف سلك طريقة الجاحظ وكان شاعراً، وابن قتيبة النحوي اللغوي الكاتب، الذي تأثر بالجاحظ والذي كان أحد شيوخه، وتأثر من أتى بعده به، وله آراءه نقدية غاية في الدقة.
وأحمد بن سهل البلخي (جاحظ خراسان) كان فاضلاً قائماً بجميع العلوم القديمة والحديثة، يسلك في مؤلفاته طريق الفلاسفة، إلا أ،ه بأهل الأدب أشبه. ومحمود العارضي شمس المشرق، كان من أفضل الناس في عصره في علم اللغة والأدب. والحامض كان يوصف بصحة الخط وحسن المذهب في الضبط، نحوياً بارعاً وثقة صالحاً.
وابن الباجي الحافظ المحقق أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي اللخمي الإشبيلي الثقة الحجة هؤلاء هم الجواحظ الذين أغنوا المكتبة العربية بكل ما يعود بالنفع على العقل العربي، إبداعاً ونقلاً وابتكاراً وخلقاً، واسعو الإطلاع والمعرفة، حاضرو البديهة، متنوعو الموضوعات الأدبية، لهم باع طويل في الكتابة والتأليف، مصنفاتهم ثرة بمختلف الفنون والعلوم والمعارف، وقد ضاع منها الكثير الكثير. ونرى أنهم لقبوا بالجاحظ تشبيهاً به، إما في جحوظ عينيه أو في سعة علومه وغزارة معارفه.
هؤلاء هم الجواحظ الذين رغب الدكتور ",خضر حمود", في الكتابة لهم وعنهم، لما كان لهم السبق في خدمة التراث والحفاظ عليه، وأنهم كانوا رواد التأليف في الفكر العربي والعقل الإسلامي، وهكذا فقد اعتنى بإدراج ترجمة لكل من هؤلاء الجواحظ من ثم قام بذكر تعريف مختصر لأشهر ما كتبوا من وصفات في كافة الفنون.