وصف الكتاب
نود أن نقر هنا إلى أن وضع كتاب في النظم السياسية و القانون الدستوري مهمة شاقة وغير سهلة، لا سيما أن هذا الكتاب يتم تدريسه لطلاب المستوى الجامعي في السنة الأولى، وإن كانت أهميته الخاصة لدى طلبة الدراسات العليا بحكم تدريس هذه المادة العلمية كدراسة متعمقة، وتنسحب هذه الأهمية على المواطن لتثقيفه سياسياً ودستورياً حول المبادئ الأساسية في كلٍ من النظم السياسية ودساتير دول عالمنا المعاصر، وفي هذا الإطار فإنه لا بد من اعتماد البساطة في طرح المعلومات والأفكار موضوع الكتاب، والابتعاد عن الدخول في السجالات والآراء الفقهية النظرية، وطرح العموميات وتفرعاتها بقوة لفتح المجال أمام المتلقي لطرح التساؤلات التي تقوده إلى البحث في الموضوعات ذات الصلة والتعمق في دراسة الأبعاد الفكرية والفلسفية والسياسية والدستورية والقانونية التي تُجيب على تساؤلاته حول المادة العلمية التي قام بدراستها وقراءتها موضوع هذا الكتاب. وهذا ما حاولنا إدراكه خلال تدريس مادة القانون الدستوري و النظم السياسية لطلاب القانون في مرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا التي تشمل درجتي الماجستير والدكتوراه، حيث إن هذا الكتاب جاء شاملاً للمحاضرات التي تم إلقاؤها والتي سيتم إلقاؤها على الطلاب، والتي تُمثل نواة هذا الكتاب، بالإضافة إلى أن تحضير المادة العلمية لهذا الكتاب تطلب القيام برحلة علمية استكشافية تم بها التحليق والإبحار حول العالم للتعرف عن قرب وعن كثب على النظم السياسية المُختلفة والمتنوعة القائمة في دول عالمنا المعاصر، وإننا سعدنا واستمتعنا أيضاً بالبحث والاطلاع والتنقيب والقراءة الشيقة والمُمتعة خلال رحلة التعرف على هذه النظم السياسية، والتي تم نقلها بأمانة علمية تامة إلى طلابنا وقرائنا الأعزاء في هذا الكتاب. لم يعرف اصطلاح ",القانون الدستوري", إلا في سنة 1797 في إيطاليا، حيث تقرر تدريس مادة القانون الدستوري في كليات الحقوق بالجامعات الإيطالية، وتم البدء بتدريس مادة القانون الدستوري في كليات الحقوق بالجامعات الفرنسية لأول مرة سنة 1834 عندما قرر وزير التعليم ",جيزو", تدريس هذه المادة، وكان أول أستاذ للقانون الدستوري في جامعة باريس هو البروفيسور ",Rossi", خريج جامعة ",Pologne", الإيطالية، وهذه النشأة التاريخية للقانون الدستوري في فرنسا أدت إلى الربط بين القانون الدستوري وبين دستور سنة 1830 من ناحية، وبين القانون الدستوري والنظام الديمقراطي الحر من ناحية أخرى الذي نشأ خلال القرن التاسع عشر، والذي كفل حقوق وحريات الأفراد، وفي السابع والعشرين من شهر آذار لسنة 1954 صدر مرسوم فرنسي بإضافة مادة ",النظم السياسية", إلى مادة القانون الدستوري لتصبح مادة القانون الدستوري والنظم السياسية، وبعد ذلك تم تدريس هذه المادة في جامعات الدول الأخرى ومنها الدول العربية. يتألف مصطلح النظام السياسي من مفردتين هما: نظام وسياسة، ويُقصد بالنظام ترتيب مجموعة العناصر المادية وغير المادية بشكل ترابطي لتحقيق هدف معين، ويُقصد بالسياسة الأسلوب المتبع لإدارة مجال معين. أما مدلول النظم السياسية، وإن كان جانب من الفقه يرى بأن تعبيري القانون الدستوري والنظم السياسية ليس سوى مترادفين لأنه يُقصد بالنظم السياسية نظام الحكم الذي يسود دولة معينة، وهذا ما يتضمنه القانون الدستوري، لأن هذا القانون يتضمن مجموعة القواعد التي تتصل بنظام الحكم في الدولة، حيث أن هذه القواعد تنظم السلطات العامة في الدولة وتحدد اختصاصاتها وتُبين العلاقة فيما بينها، وتحديد حقوق وواجبات الأفراد والأُسس الفلسفية والأيديولوجية التي يقوم عليها النظام السياسي في الدولة، فإن غالبية الفقه يذهب إلى القول بأن مدلول القانون الدستوري ومدلول النظم السياسية مدلولان مختلفان، على الرغم من أن أساس موضوع اهتمام كل منهما واحد: فالقانون الدستوري يهتم بالجانب القانوني المجرد لنظام الحكم في الدولة، في حين أن النظم السياسية تتناول انطلاقاً من الجانب القانوني العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تؤثر في نظام الحكم في الدولة. وانطلاقاً مما تقدم يرى جانب من الفقه الدستوري أن مصطلح النظام السياسي يُقصد به مجموعة المؤسسات السياسية في الدولة التي تتوزع فيما بينها آلية أو سلطة التقرير السياسي، ويدمج بالتالي هذا الجانب من الفقه بين مفهومي القانون الدستوري والنظام الدستوري، حيث أنه يقصر دراسة موضوع النظام السياسي على الإطار القانوني أو التنظيمي لنظام الحكم في الدولة كتحديد شكل الدولة أو الحكومة ووظائفها المحددة في الدستور وتحليل هذه النصوص دون البحث في كيفية تطبيقها وتفاعلها مع الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتاريخية في الدولة، وأما غالبية الفقه الدستوري فإنه يدخل ضمن نطاق دراسة النظم السياسية إضافةً إلى السلطات العامة في الدولة الهيئات والمنظمات التي تؤثر بشكل أو بآخر في السياسات المتبعة من قبل الدولة في تدخلها بشكل مباشر أو غير مباشر وبدرجات متفاوتة في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي يطلق عليها مؤسسات المجتمع المدني وأهمها الأحزاب السياسية وجماعات الضغط الاقتصادية والاجتماعية والدينية والفكرية التي تدافع عن مصالح ومنظومات فكرية، لكي لا نقول بأنها تدافع عن أيديولوجيات ثابتة، ومن ذلك فإن دراسة النظام السياسي لدولة معينة تتطلب دراسة المنظومة الفكرية السائدة فيها من جميع هذه المجالات وخاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، إضافةً إلى النواحي السياسية البحتة والقانونية المنظمة في الدستور التي تحدد شكل الحكومة، لذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار المؤثرات في هذا النظام التي تنجم عن الواقع المحيط بكل دولة والمتعلق عادةً بأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية ودينية وتاريخية، وأحياناً أمنية، نتيجةً لهذه الاعتبارات المختلفة يمكننا القول: إن النظم السياسية المطبقة في دول عالمنا المعاصر هي أيضاً مختلفة ومتعددة لأنها ما هي إلا نتاج لتأثير كل هذه الاعتبارات. مما تقدّم يمكن أن نُعرَّف النظام السياسي بأنه ",نمط الحكم الذي تخضع له دولة معينة",، أي أنه نظام سياسي ما وليس مجموعة مؤسسات وحسب، وإنما يَعْني أيضاً تركيباً معيناً لنظام أحزاب ونمط انتخاب، وبنية من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، والتقاليد التاريخية والمنطوق الثقافي، وغيرها من القيم، أي جميع البُنى في مظاهرها السياسية. وبذلك فإنه ليس هناك ترادف، بل تكامل بين مفهوم القانون الدستوري والنظام السياسي في الدولة. وفي هذا الإطار فإن الفقه الدستوري والسياسي لدى البحث في مادة النظم السياسية، فإنه يتناول بالبحث أسس التنظيم السياسي الذي يشمل الدولة والحكومة والحقوق والحريات العامة، والنظم السياسية المعاصرة ، ويقوم بتحليل نظام سياسي لدولة معينة هو أحد مواطنيها غالباً، فإننا سنتبع ذات المنهجية التي سار عليها هذا الفقه الدستوري. وبما أن التنظيم السياسي بشكله المعاصر في أية جماعة أو مجتمع، يقوم على أساس وجود دولة، التي تُمثل السلطة السياسية العليا. وهذه السلطة السياسية العليا في الدولة في الشكل المعاصر تُمارسها الحكومة باعتبارها العضو المُمارس لمظاهر هذه السلطة، وذلك بالكيفية التي يُحددها دستور هذه الدولة. والدستور الذي يُشكل الإطار القانوني للتنظيم السياسي، فإنه يُحدد العلاقة بين الحُكام والمحكومين، أي بين السلطة السياسية والأفراد، حيث تتحدد علاقة الفرد بالدولة من ناحية وبالسلطة السياسية العُليا من ناحية أخرى، على أساس احترامهما للحقوق والحريات العامة وحمايتها، في مقابل خضوعه لكافة القواعد القانونية في الدولة، وذلك بقيامه بأداء التكاليف والواجبات المفروضة عليه بموجب التشريعات. والدستور لغوياً كلمة فارسية الأصل تعني الأساس أو البناء أو القاعدة وقد اعتمدت اللغة العربية هذه الكلمة، وتعني كلمة دستور ",Constitution", الفرنسية لغوياً التأسيس أو التكوين. وانقسم الفقه الدستوري تعريفه للدستور إلى اتجاهين: الأول نص وثيقة الدستور، والثاني موضوع أو محتوى الدستور، فالاتجاه الذي يعتمد نص وثيقة الدستور يتبنى معياراً شكلياً في تعريفه للدستور، أما الاتجاه الذي يعتمد موضوع أو محتوى الدستور فيتبنى معياراً موضوعياً. والقانون الدستوري يتضمن مجموعة القواعد القانونية التي تتصل بنظام الحكم في الدولة، والتي تستهدف تنظيم السلطات العامة ــ أي التنظيم السياسي ــ فيها وتحديد اختصاصاتها والعلاقة فيما بينها، وتحديد حقوق وواجبات الأفراد، والأسس الفلسفية والأيديولوجية التي يقوم عليها النظام السياسي في الدولة. وفي هذا الإطار فإن الفقه السياسي والدستوري لدى البحث في مادة القانون الدستوري، فإنه يتناول المبادئ العامة التى تحكم الدساتير ــ مع اختلاف في العناوين الرئيسة ــ والتي تتمثل في: ماهية الدساتير ونشأتها وأنواعها وتعديلها وإلغائها و يتناول أيضاً طبيعتها واحترامها ورقابة الدستورية. إن ما سبق بيانه، يُشكل مفردات هذا الكتاب، وكل ما نرجوه أن نكون قد وفقنا في إنجازه، وأن يكون الصواب والدقة والأمانة العلمية حليفنا في معالجة موضوعاته، وما التوفيق بالطبع إلا من الله العزيز القدير العليم، الذي له وحده الكمال، وما دونه النقص ومحدودية القُدرات.