وصف الكتاب
توخى هذا البحث القيام بمحاولة للتحليل النظري لمستقبل العلاقات الدولية في ضوء أطروحة ",صدام الحضارات", التي تعتبر إحدى أكثر الأطروحات التنظيرية الجديدة إثارة للجدل والنقاش في فترة ما بعد الحرب الباردة. واقترح ضرورة توفير الشروط المناسبة والآليات اللازمة لإرساء ثقافة السلام، قصد أنسنة الحضارة العالمية للحيلولة دون سقوط الإنسانية في مزيد من العنف والتعصب، وللعمل من أجل ألا تتحقق نبوءة ",صدام الحضارات",. ورأى ضرورة التماس طريق البحث في فضاء هذه الأطروحة، وذلك بقراءتها ومقاربتها مقاربة نقدية تسعى إلى الوقوف عند المنطق الموجه لأساسها النظري، والكشف عن مضمراتها ومتناقضاتها ومحدوديتها على المستوى المفاهيمي والواقعي. وذلك من خلال مجموعة أبعاد: البعد التحليلي أي تحليل مرتكزات الأطروحة، البعد التأويلي لخطاب هانتنغتون وتفاعله مع المتغيرات التنظيرية للعلاقات الدولية، والبعد الاستشرافي أي مدى مطابقتها الواقع الدولي واحتوائها المتغيرات الدولية، وأخيراً البعد الاستراتيجي والذي يهم بشكل مباشر مستقبل الوطن العربي والعالم الإسلامي، حيث إن هذه الأطروحة جعلت من منطقة العالم العربي والإسلامي بؤرة التوتر الأساسية في خريطة الصراعات الحضارية العالمية.
حاول معالجة مجموعة من القضايا التي أصبحت تفرض نفسها على الدارسين والباحثين في مجال العلاقات الدولية، فالتحولات الجذرية التي يعيشها العالم على عدة مستويات ولدت مجموعة من الديناميات الجديدة الفاعلة على المسرح الدولي. وهذا ما يتطلب القيام بمراجعة شاملة للمنظومات التحليلية والفكرية السائدة على مستوى دراسة الظواهر الدولية، فلم يعد من المفيد عملياً الاستمرار في الاعتماد على الأدوات التنظيرية الكلاسيكية لفهم السياسات الدولية، التي أصبحت تكتسي أبعاداً جديدة في ظل بيئة دولية مغايرة بشكل جذري لعالم الحرب الباردة. ومن هنا يبدو ضرورياً البحث عن شبكات تحليلية ومفاهيمية جديدة قادرة على استقراء ثوابت ومتغيرات السياسات العالمية، ومنح مزيد من الإمكانيات للباحثين قصد إدراك مختلف التفاعلات الدولية المعقدة وفهم حركية واستراتيجيات الديناميات الدولية الجديدة. وفي هذا الإطار أصبح الوطن العربي مطالباً باكتساب وعي يقظ بماهية وصيرورة المحيط الدولي قصد تأكيد تفاعله الإيجابي مع القضايا الدولية التي تهم مصير ومستقبل المنطقة العربية، وهذا من شأنه أن يجعل الوطن العربي يتبوأ مكانته في الساحة الدولية كفاعل إستراتيجي له موقعه في الخريطة العالمية، وليس كما هو الشأن اليوم مجرد فاعل سلبي يكاد يفتقد أي تأثير في السياسة الدولية، بالرغم من إمكانياته الهائلة على جميع المستويات.
لقد كان لأطروحة ",صدام الحضارات", صدى قوياً، حيث فتحت منذ نشرها صيف 1993 سجالات ثقافية وسياسية واستراتيجية حادة ف أنحاء كثيرة من العالم، وأثارت ردوداً متباينة تراوحت بين التأييد والتحفظ والرفض، وذلك في أجواء شبيهة إلى حد بعيد بتلك التي رافقت نظرية ",نهاية التاريخ", لفرانسيس فوكوياما صيف 1989. ومنحت الأطروحة صورة سلبية قاتمة عن العالم العربي والإسلامي، وجعلت منه المصدر الرئيسي للعنف والإرهاب في العالم والمجال الأكثر صدامية وعداء للغرب ولباقي الحضارات الأخرى.
وجاءت أحداث 11 أيلول/سبتمبر وأعادت أطروحة ",صدام الحضارات", إلى واجهة النقاشات الفكرية والسياسية في جميع مناطق العالم. وقد كانت لأحداث 11 أيلول/سبتمبر انعكاسات مهمة على السياسات الدولية في المنطقة العربية، وبخاصة منطقة الشرق الأوسط التي تعرف اختلالات عنيفة تهدد الاستقرار العالمي.
ورأى أنه من الضروري مقاربة الأطروحة مقاربة نقدية، للتعرف على حدود المنطق الذي يحكم الخطاب الهانتنغتوني سواء على مستوى الحقل المنهجي المفاهيمي، أي من حيث المنهجية المتبعة من طرف هانتنغتون في التحليل والاستدلال والاستنتاج، وطريقة توظيفه المفاهيم المؤطرة للأطروحة، أو على المستوى الواقعي أي مدى صدقيتها وصحتها في إدراك وملامسة الواقع الحقيقي الذي تعيشه العلاقات الدولية، وتأثيرها في الآفاق التنظيرية للعلاقات الدولية، وفي المنطقة العربية والإسلامية وبخاصة بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر. وانطلاقاً من ذلك حاول استكشاف السبل الكفيلة بإرساء حوار الثقافات وثقافة السلام بين مختلف الشعوب والحضارات.
وعلى اعتبار أن الأطروحة تهتم بشكل محوري بالعالم الإسلامي كمجال حضاري استراتيجي له موقع مركزي في العلاقات الدولية المستقبلية، فإنه من الضروري التصدي النقدي لها وتعميم الوعي بمضمونها وأهدافها، وبخاصة أنها حاولت تسويق صورة سلبية عن الإسلام، تساير تلك الموجة الفكرية التي أصبحت تسعى جاهدة إلى التماهي بين الإسلام والعنف والإرهاب. وقد صدمني ذلك شخصياً، على أساس أنها صادرة عن مفكر يتبوأ مكانة أكاديمية وعلمية ذات شأن كبير في العالم الغربي.
من جهة أخرى نعتبر هذا العمل مساهمة في مجال معرفي لم يتبوأ بعد مكانته الحقيقية في العالم العربي، يتعلق الأمر بالتنظير في مجال العلاقات الدولية، حيث يلاحظ غياب شبه تام للبحوث العلمية في هذا الإطار, ومن النادر مصادفة بحوث ودراسات تتعلق بالتنظير والنظريات الدولية. وهذا راجع إلى تقليد معرفي يفضل دراسة العلاقات الدولية من منطلق ما هو وقائعي ومؤسساتي مهمشاً الجانب النظري. ولذلك نلاحظ ندرة المراجع والمؤلفات باللغة العربية التي تهتم بموضوع التنظير الدولي. ولوحظ ندرة المراجع والمؤلفات باللغة العربية التي تهتم بموضوع التنظير الدولي. ولوحظ مدى الاستخفاف الكبير بالأطروحات التنظيرية الجديدة في العالم الإسلامي، حيث إنه من خلال مختلف ردود الفعل على أطروحتي ",نهاية التاريخ", و",صدام الحضارات",، يتبين غياب القراءة المتأنية والتحليل النقدي الصارم والتفسير الموضوعي وغلبة النقد الانفعالي والمجاني في كثير من الأحيان. أقرأ أقل