وصف الكتاب
ابن منظور علم من أعلام اللغة العربية، بل إمام من أئمتها الذين ذاع صيتهم في الآفاق، وخفقت شهرته في الخافقين، إنه الأديب اللوذعي، والجهبذ المحقق، والراوي المدقق، المكثر في التصنيف والتأليف، وحسبه زهواً وافتخاراً بكتابه لسان العرب، الذي استحسنه أهل عصره فقرّظوه، وانتشر طباعة في مطلع القرن العشرين كانتشار النار في الهشيم فقبلوه.
إنه المعجم العربي الذي يعد من أتم المؤلفات التي صنفت في اللغة، وهو مرجع العلماء والأدباء، والمعول عليه بين أهل هذا اللسان، بل إن كل من ألف وجمع وصنف في علم العربية والمعاجم بعده يعد عالة عليه، وهل رأيتم مؤلفاً أو كتاباً في اللغة أو الأدب أو غير ذلك من العلوم المشاركة ولم يعتمده أو يرجع إليه، حتى أن كل من ألف معجماً ذكره في صدر مراجعه.
إنه جمال الدين أبو الفضل محمد بن جلال الدين أبي العز مكرم بن نجيب الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن أبي القاسم بن حبقة بن محمد بن منظور الأنصاري الإفريقي المصري، صاحب كتاب ",لسان العرب", الذي بين يدينا والذي جمع فيه بين التهذيب والمحكم والصحاح حواشيه والجمهرة والنهاية.
جمعه وعمّر وحدّث واختصر كثيراً من كتب الأدب المطولة كالأغاني والعقد والذخيرة ومفردات ابن البيطار، ونقل أن مختصراته خمسمائة مجلد، وكان صدراً رئيساً فاضلاً في الأدب مليح الإنشاء روى عنه السبكي والذهبي وقال تفرد بالعوالي وكان عارفاً بالنحو واللغة والتاريخ والكتابة، واختصر تاريخ دمشق في نحو ربعه، وكان عنده تشيع بلا رفض.
وبالعودة إلى المعجم فيرى القارئ بأن جمع ابن منظور في معجمه هذا للصحاح الجوهري، وللحاشية لابن بري، وللتهذيب الأزهري، وللمحكم ابن سيده، وللجمهرة ابن دريد، وللنهاية لابن الأثير، وغير ذلك. إن جمعه لهذه الكتب اللغوية في هذا المعجم يغني عن سائر كتب اللغة، إذ هي بجملتها لم تبلغ منها ما بلغه. فهو عجيب قفي نقوله وتهذيبه، وتنقيحه وترتيبه. وهو كتابه لغة، ونحو، وصرف، وفقه، وأدب، وهو شرح للحديث الشريف، وتفسير للقرآن. وقد رتبه المصنف ترتيب الصحاح في الأبواب والفصول (الترتيب الألفبائي للمعاجم) وقصد توشيحه بجليل الأخبار، وجميل الآثار، مضافاً إلى ما فيه من آيات القرآن الكريم، والكلام على معجزات الذكر الحكيم، ليكون على مدار الآيات والأخبار والآثار والأمثال والأشعار حله وعقده.
إلى جانب ذلك فقد صدّر معجمه بفصل جمع فيه تفسير الحروف المقطعة، التي وردت في أوائل سور القرآن العزيز، لأنها ينطق بها مفرقة غير مألوفة ولا منتظمة، فترد كل كلمة في بابها، فجعل لها باباً بمفردها وغايته بهذا التصدير التبرك بتفسير كلام الله تعالى الخاص به، وثانياً بأن هذه الحروف إذا كانت في أول الكتاب كانت أقرب إلى كل مطالع من آخره، لأن العادة أن يطالع أول الكتاب ليكشف منه ترتيبه وغرض مصنفه.
معجم من أهم المعاجم التي عرفتها اللغة العربية على الإطلاق يقدم للقارىء بحلّة جديدة مما يسهل تناوله وتكمن أهمية هذه الطبعة الجديدة في أنها مقابلة على نسخة مخطوطة تعود إلى عصر ابن منظور، وعليها قراءات جماعة من العلماء أبرزهم السيد مرتضى الزبيدي صاحب تاج العروس الذي أغنى هذه المخطوطة بتقييدات وتعليقات وتصويبات أدرجت في حواشي هذه الطبعة مضافاً إليها ملاحظات أحمد تيمور باشا في كتابه (أخطاء لسان العرب) وعبد السلام هارون في كتابه (تصويبات لسان العرب) فضلاً عن ملاحظات أخرى يجدها القارىء في ثنايا هذه الطبعة الجديدة التي تم تخريج جميع شواهدها الشعرية وعزوها إلى مصادرها المختلفة