مع الأيام يحلو لنا أن نقرأ كلمة جميلة، تنعش مذاقنا وتستحسنها آذاننا، وتمس أوتار قلوبنا، لكنني أخبرك أخي القارئ أن هناك كلمات وجمل، قد لا يتوفر لها قدر من الجمال الأدبي الذي يبهرنا، بقدر ما يتوفر فيها سلامة المعنى، فتصحح مفهوما، وتزيدنا معلومة، وتستنهض وعيا خاملا، وتنتشل السامع من جهل مفرط، وتضيف إلى رصيدنا المعرفي الذي يقربنا من الحقائق.
ومن هنا كانت المعرفة وعيا، وكان الوعي فهما، وكان الفهم إدراكا، وكان الإدراك يقينا، استلهمناه من الورق، الذي لا يحمل كلاما مكتوبا، بقدر ما يحمل في حقيقته عزفا يمتع عقولنا، تماما كما تستمتع الأذن بألحان الموسيقى.
هذه هي الصورة التي تتحول معها الكلمات إلى ألحان عذبة، تهيم لها وبها ومعها الروح والوجدان، وترتقي بها الأنفس والعقول.
لا ننقل مرويات، ولا نعيد قصصا، ولا نكتب عن شئ معاد ومعروف، بقدر ما نضع أيدينا على اللمسات الغائبة، التي تتخفى عن كثير من العقول، التي لم تتعود الغوص والتحليل، ورؤية الأبعاد المفيدة، التي تنير دروبنا إلى الغايات المنشودة.
الثقافة شئ عظيم، والمعرفة لذة عقلية، لا يشعر بها إلا إنسان أدرك سر السعادة في الحياة، ولكن هذه السعادة تتحول لجحيم يهدم كل القيم، لو بنيت على علم مغشوش، ومعلومات ذائفة، وأفكار معوجة باطلة.
ولتكن سطورنا خطوة تقترب من الصواب، وتنطلق من صدق الأفكار، وتنبعث من سلامة القصد، حتى يجد القارئ معها عزفه المنشود، الذي لا يمتع أذنه فقط، بل يمتع قبلها قلبه وعقله وروحه ووجدانه وأشواقه ومعارفه، فيرى القلم وهو يتقمص حال الكمان وأعواد الطرب، و ويكون عزفه الذي يفوق لحن الموسيقيين جمالا ونغما وإبهارا وطربا..
إنه.. العزف على الورق، وعزف الأفكار، وعزف القلم، نقدمه لعشاق المعرفة، وهوة العلم والأدب.