وصف الكتاب
أحرزت العلوم الطبيعية حوالي منتصف القرن التاسع عشر تقدماً كبيراً، وبفضل هذا التقدم وتعاظم إنتاج العلماء في مجالها نقل نموذج التصور في تلك العلوم إلى الظواهر الإجتماعية والنفسية، وتساقطت إثر ذلك الفروع الأخيرة في شجرة الفلسفة مكونة العلوم الإنسانية، واتجه الفلاسفة نحو الإهتمام بالمبادىء التي تقوم عليها العلوم والمناهج المستخدمة في مجال العلم وتحليل نتائج ما توصل إليه العلماء.
",في هذا الجو المفعم بروح البحث العلمي، والرافض لكل ميتافيزيقا، ظهرت الفلسفات العلمية، ومن أهمها الماركسية التي قدمت إلى جانب الإيديولوجيا، نظرية في المعرفة، وقواعد المنهج الجدلي", وكذلك فلسفة التحليل المنطقي واللغوي التي عنيت بتحليل جميع أشكال الفكر الإنساني، واستبعدت عن ساحة العلم كل التصورات التي تتعلق بظواهر لا تخضع للملاحظة والقياس", ثم تقدم هوسرل بالفينومنولوجيا كفلسفة وكمنهج يعتمد على الحدس والتأمل، وأراد بواسطته تحليل بنية الوعي، والكشف عن الماهيات من أجل التوصل إلى معرفة المبادىء التي تقوم عليها العلوم.
استقطبت الفينومنولوجيا اهتمام علماء النفس، وجذبتهم أفكار هوسرل، فقد راقت الفكرة التي تقول أن الظواهر تنتظم في كل ما له معنى، لعلماء النفس الجشتلطيين، فرتايمر، وكوهلر، وكوفكا، وليفين، وجعلوها حجر الأساس في جميع نظرياتهم، واستلهم علماء التحليل النفسي فكرة معنى السلوك وحوروها إلى السلوك – الرمز، وتبنى بياجيه فكرة الإهتمام بالعمليات العقلية، وأصبح الكشف عن هذه العمليات غاية البحث عنده وعند تلامذته.
ويلاحظ أن الفكرة الأخيرة، استقطبت أيضاً الفلاسفة الوجوديين، ووجدوا في المنهج الفينومنولوجي الذي أسس للكشف عن بنية الوعي ضالتهم، وقد طوّر هذا المنهج على يد سارتر، ليصبح أكثر ملاءمة للتعرف على الخبرات الشعورية الإنسانية، وإدراك ماهيتها عن طريق الحدس والتأمل.
يرى سارتر، أن أزمة علم النفس المعاصر تكمن في مناهجه المستخدمة، فهي لا تفي وحدها بالغرض، ولذلك وظف الفينومنولوجيا في دراسة الظواهر السيكولوجية انطلاقاً من إفتراضات تبقت لديه، بعد الإختزال الذي يعد الخطوة الأولى في المنهج. وهكذا استطاع أن يدخل إلى فلسفة العلم من أوسع أبوابها، حيث أسفر تطويره وتوظيفه للمنهج عن نظريات سيكولوجية، وأساليب علاج جديدة، أصبحت الآن محط أنظار علماء النفس.
يكشف هذا الكتاب عن هذا الجانب من فلسفته، حيث تتضمن هذه المحاولة عرض لكيفية تطوير سارتر للمنهج الفينومنولوجي، واشتقاقه منه لمنهج تحليل نفسي وجودي، وكذلك طريقة توظيفه للمنهج في الكشف عن الظواهر النفسية، ثم وصف فينومنولوجي دقيق لبعض هذه الظواهر، وأخيراً تعرف المؤلفة لموقفها من الآراء المتعلقة بسيكولوجية الإنسان التي خلص إليها سارتر.