وصف الكتاب
حين وصلت أنا وزوجي للولايات المتحدة أول فترة الابتعاث وبالتحديد (واشنطن دي سي)، استقبلنا موظفو الملحقية السعودية في المطار، وأوصلونا إلى الفندق لأخذ قسط من الراحة ليتم اصطحابنا في الغد الباكر إلى مقرّ الملحقية؛ لحضور محاضرة توضح أهم قوانين وأنظمة البلد، بالإضافة إلى إنهاء بعض الإجراءات. وفي صباح اليوم التالي كانت حافلة الملحقية ممتلئة بالطلبة المبتعثين تقف أمام الفندق لنقلنا إلى مقر الملحقية... ركبناها واتجهت بنا إلى مبنى الملحقية، وفور دخولنا طُلب منا الجلوس في إحدى القاعات لحضور محاضرة سيلقيها علينا الدكتور عبد الله، وهو أحد الموظفين... رحب بنا الدكتور واستعرض أهم أنظمة وقوانين البلد وثقافتهم التي تختلف عن ثقافة مجتمعنا السعودي... وأوضح لنا بعض الإجراءات التي علينا القيام بها من خلال موقع الملحقية على شبكة الانترنت... كانت المحاضرة طويلة ومفيدة للطالب المبتعث الجديد... ومن ثم توقف الدكتور عبد الله لفترة الغداء وأخبرنا بأن المحاضرة ستستأنف بعد ساعة.. وأرشدنا إلى أقرب المطاعم لمبنى الملحقية والتي يمكننا الذهاب إليها سيراً على الأقدام.. تناولنا غدائنا وعدنا إلى القاعة.. وأكمل الدكتور عبد الله المحاضرة، ومن ثم طلب منا إظهار الإثباتات الشخصية حتى يتمكن موظفو الملحقية من تسليمنا الضمانات المالية، وهي عبارة عن ...... رسمي من الملحقية الثقافية إلى جهة الطالب الدراسية، وينصّ على أن الملحقية تتكفل بدفع الرسوم الدراسية، ويكون لكل طالب خطاب خاص باسمه. حان دوري وسلمت الموظف المسؤول جواز سفري وقام بدوره بالبحث في النظام الالكتروني عن ملفي من خلال موقع وزارة التعليم العالي في الرياض، ولم يتمكن من إيجاد أي ملف متعلق بي! فعرضت عليه نسخه من (أمر الإركاب) الذي معي، وهو خطاب لتذكرة مدفوعة من قبل وزارة التعليم العالي موجه إلى مكتب السفريات، وعادة لا تعطي الوزارة أمر الإركاب إلا للطلبة المبتعثين.. تعجّب الموظف وأخبرني بأنني لست مبتعثة ولا أستحق أي شيء من أمور الابتعاث، كدفع الرسوم الدراسية أو حتى المكافئة المالية لطالما لا يوجد أي ملف الكتروني في موقع الوزارة.. وحوّلني إلى الدكتور عبد الله لحلّ المشكلة. بدأت أتوتر، وأتساءل: ماذا يعني بأني لست مبتعثة؟! هل سأتحمل تكاليف الدراسة؟! قابلت الدكتور عبد اله وأخبرته المشكلة، ردّ عليّ بسخرية: ",ومن قالك أنك مبتعثة إذا مالك ملف الكتروني في موقع الوزارة؟! حتى لو الوزارة معطيتك تذكرة ما يعني أنك مبتعثة.. الوزارة بس ساعدتك بالتذكرة ودام مالك ملف في الوزارة ما نقدر نعطيك ضمان مالي لأنك بالحقيقة مانتي مبتعثة",.
ذاك شكلّ اول المواقف المحرجة والصعبة التي واجهتها نادين بنت يوسف السياط.. المحققة السعودية في الشرطة الأميركية... فقد واجهت كثير من المواقف المتنوعة... منها الحزين.. ومنها المفرح.. ومنها المضحك... والمفجع.. وها هي، وبناء على طلب الأهل والأصدقاء الذين رأوا طرافة أو جدية هذه المواقف.. وهذه الذكريات، عمدت إلى تدوينها في هذا الكتاب، وذلك لما رأت في هذا العمل من فائدة، فتنقل خبراتها وتجاربها في هذا المجال، ويستفيد البعض... ويستمتع بقراءتها البعض الآخر كعمل أدبي، وما ساعدها على ذلك، أنّها كانت تدوّن المواقف المميزة التي كانت تمرّ بها في دفترها الصغير أحمر اللون، من باب (الفضفضة) مع نفسها، كما كان قلمها حينها.. رفيقها السرّي الذي كان يسمع ما يجول في خاطرها من أفكار التي لا يسمعها البشر من حولها. كما أن من العوامل التي دفعتها لكتابة هذه المذكرات.. خبرتها في كتابة المقالات والمواد الصحفية المنشورة على مدى عدة سنوات قبل ابتعائها.. إلّا أنّ السبب الأهم الذي شكّل دافعاً لتدوين مذكراته هذه؛ هو تدربها في فرع شرطة أميركية وخوضها الكثير من المواقف المشوقة مع مجرمي أميركا التي وقفت معهم وجهاً لوجه. وإن ما زاد الموضوع تشويقاً هو كونها سعودية، عملت في فرع شرطة في اختصاص التحقيق مع المتهمين، وركوبها سيارات الشرطة هناك والقبض على المجرمين، والعمل في معمل الأدلة الجنائية.. هذه وبحق مثّلت وعلى أرض الواقع خبرة فريدة من نوعها وقعت الكثير من حولها لسماع هذه المواقف المعتبرة.. وأخيراً فإن هذا الكتاب هو صوت مبتعث ينقل بعض ما يتعرض له المبتعث خلال غربته عن مجتمعه.