يجمع الباحثون والمهنيون على حد سواء، على أن من أهم مقومات ارتقاء المحاسبة وضمان استمراريتها كعلم اجتماعي ولغة للأعمال، هو قدرتها الدائمة على الاستجابة لمتطلبات التطورات المستجدة في دنيا الأعمال. وقد شهد الاقتصاد العالمي في الآونة الأخيرة مجموعة من الظواهر والأحداث كان من أبرزها الأزمة المالية العالمية الأخيرة التي عصفت بالاقتصاد العالمي ووضعته مثل السونامي على كف عفريت. وقد فرضت هذه الأحداث نفسها على المحاسبة وألزمتها بأن تطور أساليبها وطرقها في مجال القياس والإفصاح، في اتجاه يكفل حل المشاكل المحاسبية التي أفرزتها تلك الأحداث. ولعل من أهم الأحداث والظواهر الاقتصادية المعاصرة أربعة هي: 1- حالات الاندماج والاستحواذ الواسعة التي تشهدها الشركات المساهمة، والتي كان من أبرز ثمارها ظهور ما يعرف بالشركات القابضة وفروعها الكثيرة المنتشرة في جميع أنحاء العالم. وقد أفرزت هذه الظاهرة مشاكل محاسبية غاية في التعقيد سواء من جهة قياس استثمارات الشركة الأم في شركاتها التابعة، أم من جهة إعداد القوائم المالية الموحدة لمفردات المجموعة. 2- نمو وازدهار التجارة الدولية وذلك بفضل الثورة الهائلة التي حدثت في عالم المواصلات والاتصالات وما رافق ذلك من تعاظم دور العولمة. وقد أفرزت هذه الظاهرة مشاكل محاسبية تتمحور حول معالجة الفروقات الناشئة عن أسعار صرف العملات الأجنبية التي تنفذ بموجبها الصفقات التجارية بين المصدرين والمستوردين. 3- توسع أسواق المال الدولية وتعاظم دورها في بناء الاقتصاد العالمي. وقد أفرزت هذه الظاهرة مشاكل محاسبية تتعلق بمعالجة الاستثمارات الهائلة الموظفة في تلك الأسواق ومن ثم حركة انسيابها في صورة قروض دولية تتم بالعملات الأجنبية. جعلت من الضروري اللجوء إلى أساليب إبداعية في التحوط من أجل الحد من المخاطر المرتفعة المصاحبة لها. 4- انتشار وشيوع ظاهرة التمويل الخفي أو غير المباشر، والتي يتزايد اعتماد الشركات المساهمة عليها بقصد الحد من مخاطر السيولة وذلك عن طريق الاستعاضة عن شراء الأصول طويلة الأجل باستئجارها بموجب عقود إيجار طويلة الأجل. وقد أفرزت هذه الظاهرة مشاكل محاسبية تتعلق بمعالجة هذه العقود في دفاتر كل من المستأجر والمؤجر. ضمن المعطيات آنفة الذكر يسعى المؤلف من خلال هذه الكتاب الذي روعي في إعداده آخر ما استجد من تعديلات حدثت في معايير المحاسبة الدولية والمعايير الدولية للتقارير المالية، أن يلقى الضوء على أبعاد المشاكل المحاسبية آنفة الذكر من خلال عرض الجوانب النظرية والتطبيقية لتلك المشاكل وذلك باستخدام مجموعة من الأمثلة والتمارين والحالات العملية التي قصد بها تيسير استيعاب تلك المشاكل من قبل القارئ. وقد قسم الكتاب إلى أربعة عشر فصلاً خصصت الفصول السبعة الأولى منها لشرح الجوانب المختلفة للمحاسبة عن اندماج الشركات، بينما خصصت الفصول الخمسة التالية لشرح الجوانب المختلفة للمحاسبة عن العملات الأجنبية، أما الفصلان الأخيران، فقد خصصا لمعالجة المحاسبة عن عقود الإيجار.