وصف الكتاب
تعتبر الحقبة الممتدة ما بين القرنين الثامن والعاشر الهجريين، حقبة التأليف الموسوعي الأدبي والعلمي والسياسي والديني في حواضر العالم الإسلامي، وخاصة في مصر والشام، اللتين انتقلت إليهما النهضة العلمية والأدبية من بغداد بعد غزوها من قبل المغول في منتصف القرن السابع الهجري، وبعد إحراق هولاكو لخزائن كتبها وتشريده لعلمائها، مما حدا بهم إلى الهرب بأنفسهم وعلومهم إلى حواضر أكثر أمناً وسلاماً من المدينة المنكوبة. وقد كانت مصر والشام بأيدي المماليك الذين رأوا أم لا شيء يوطد من سلطانهم ويقربهم إلى الشعب أكثر من احتضانهم للعلماء، وتأسيسهم المدارس والخوانق والرباطات، وحبسهم عليها المال والضياع وقفاً على طلبة العلم من كل حدب وصوب.
كان من نتيجة هذه السياسة الحكيمة أن ازدهرت العلوم في هذه الحقبة، فصدرت المصنفات الموسوعية والكتب الجامعة في شتى صنوف العلم والأدب، مثل: صبح الأعشى للقلقشندي، ونهاية الأرب للنويري، وغيرها من المؤلفات التي أثرت المكتبة العربية.
ومن بين هذه المؤلفات التي صدرت في أواخر تلك الحقبة، هذا المصنف الذي يبحث في وجوه إعجاز القرآن كما يظهر من اسمه، وهو من كتب السيوطي الجامعة التي تحيط بهذه الموضوع من جميع وجوهه التي كتبت عنه، وتجمع كل ما قيل فيه.
والسيوطي يجعل في هذا الكتاب وجوهاً للإعجاز القرآني يجمعها في خمس وثلاثين وجهاً فيسمي الوجه الأول من وجوه إعجازه: العلوم المستنبطة منه، والوجه الثاني: كونه محفوظاً من الزيادة والنقصان، والثالث: حسن تأليفه والتئام كلمه... وهكذا حتى يصل إلى الوجه الخامس والثلاثين من وجوه إعجازه وهو في ألفاظ القرآن المشتركة، والذي هو عبارة عن معجم شامل يشرح ألفاظ القرآن ويفسرها. وقد رتب السيوطي هذه الألفاظ على حسب حروف الهجاء، وأحاط بمعانيها، وأزال غموضها، راجعاً في كل ذلك إلى كتب التفسير والحديث واللغة وغيرها.
ونشير هنا إلى أن المؤلف لا يراعي دائماً أصول الكلمات في ترتيبه السالف الذكر بل إنه كثيراً ما يضع الكلمة كما وردت في القرآن الكريم، من غير التفات إلى هذه الأصول، فهو يذكر في حرف الفاء: ",فإن الله هو موليه", ",فلينظر الإنسان",... الخ.
وهذا الأسلوب قد يسهل على القارئ العادي ما يعترضه من مشكلات التفسير، ويساعده على الفهم، بإراحته من الجوع من إلى أصول الكلمات وجذورها، التي قد لا يعلمها إلى الباحث العالم. ولكن هذا الأسلوب-في الوقت نفسه-قد يعجز الباحث المعتاد على الطريقة المعجمية في رجوعه إلى أصول الكلمات.
أما عن تسمية هذا الكتاب فقد أوردها السيوطي بصيغتين: معترك الأقران في إعجاز القرآن، وإعجاز القرآن ومعترك الأقران. أما في الإتقان فقد أشار إلى هذا الكتاب وسماه: معترك الأقران في مشترك القرآن. وقد اعتمد في هذه الطبعة التي بين أيدينا التسمية الأولى.
الإمام السيوطي عالم مشارك في العلوم، من فقه وتفسير ونحو وغيرها ومن مؤلفاته الكثيرة هذا الكتاب في إعجاز القرآن، وقد رجح أن وجوه الإعجاز فيه غير منحصرة لذا فالقارىء في كتابه هذا يجد : البلاغة وعلوم القرآن والقراءات واللغة والنحو والحديث والفقه والطب، فالكتاب جامع لكثير من الفوائد في هذه الفنون. وجعلت في آخره بعض الفهارس العلمية.