وصف الكتاب
حقاً لم يعد الحديث عن ",الإستقلالين السياسي والإقتصادي", يحمل نفس المعاني التي كان يحملها منذ أربعين أو خمسين عاماً، حينما كانت بلادنا تحت الإحتلال العسكري، ولم يعد سياسيونا يتعرضون لنفس المهانة التي كان بفرضها الإحتلال، ولكن فقدان حرية التصرف له أشكال وألوان، وقد تكون فاقداً لهذه الحرية وأنت تتمتع بكامل الأبهة والإحترام الظاهري، والعبرة في النهاية ليست بدرجة الأدب والتهذيب اللذين يعاملك بها صاحب الأمر والنهي، وإنما بمدى قدرتك الحقيقية على التمرد والعصيان، فإذا تبينت أن الذي يقلل من قدرتك على العصيان وعلى ممارسة حريتك في رسم سياستك الداخلية والخارجية هو تلك الديون المشئومة، فإنه لا يبقى أمامك مجال للشك في أن هذه الديون قد أصبحت في الواقع هي البديل الحديث للإحتلال العسكري، وأن قضية التحرر من الديون الخارجية قد أصبحت هي البديل المعاصر لقضية الجلاء.
لا غرابة إذن في أن يحاول المرء إعادة قراءة التاريخ الإقتصادي المصري، من هذه الزاوية، زاوية الديون الخارجية. لقد عكف عبد الرحمن الرافعي على قراءة وإعادة كتابة تاريخ مصر الحديث من زاوية النزوع إلى الإستقلال السياسي، إذ كانت القضية الأساسية التي تواجه مصر وهو عاكف على كتابه، هي قضية الإحتلال والجلاء. فما أحرانا اليوم بأن نعيد قراءة تاريخنا وكتابته من زاوية النزوع إلى الإستقلال الإقتصادي والتحرر من الديون الخارجية. لقد رويت القصة بالطبع مراراً وتكراراً، ولكني أعتقد أنه ما زال هناك مجال واسع للمزيد، إن الذي يكتب عن محمد علي مثلاً في أواخر عهد الملكية لا يمكن أن يرى محمد علي كما يراه كاتب عاصر الناصرية ورأى ازدهارها ثم انحسارها. والذي يكتب عند ديون سعيد وإسماعيل، قبل أن يشهد ديون السادات، ليس كمن يكتب عنها بعده، وهكذا. كيف تبدو إذن قصة ديون مصر الخارجية منذ عهد محمد على منظوراً إليها من عهد مبارك؟