لقد حدد الإسلام مغزى وهدف حياة الإنسان ومجهوده على توجيه من القيم التي تثبتها الشريعة الإسلامية، فيما أن الواقع الاقتصادي للمسلمين والمعطيات المالية والإنتاجية لا تماثل واقع الشرق والغرب، فإن استيراد سياسات يتعذر تطبيقها لدى المسلمين، واعتماد قيم لا توافق العقيدة الإسلامية لن يؤدي إلا إلى مزيد من التخبط في تجارب الغير وإلى التبعية للقوى المختلفة في العالم. إلا أن هذا لا يعني أن ليس باستطاعة المسلمين الإفادة من خبرات العديد من الدول وتجاربها للأخذ منها ما يناسب واقع المسلمين وتطلعاتهم، وترك ما لا ينفعهم. لذلك فإن المسلمين اليوم بحاجة إلى متخصصين في المجالات كافة، يطبقون الإسلام في حركتهم، ويضبطون انفعالاتهم ويخططون برؤية شمولية، ويمتلكون القدرات على تصنيف المشاكل ومعرفة سبل مواجهتها، بالإضافة إلى تقدير نتائجها ومعالجة آثارها. وفي موضوع الاستثمار بالذات، فإن معالجة هذا الموضوع من زاوية جزئية دون الأخذ بالنظرة الشمولية للاستثمار وأهدافه، في إطار الاقتصاد الإسلامي، سوف يؤدي إلى تغيير مسار المعالجة من مبادئ الشريعة والقيم الإسلامية، إلى نطاق معالجة مادية ومالية بحتة.

إن التخطيط والتنفيذ لخدمة هذه الأهداف يخضع إلى تبديل وتغيير وتطوير بحسب مستجدات العصر، على أن لا تخرج عن إطار الحدود الشرعية، ذلك لأن الالتزام بالأحكام الشرعية والتعاليم الإسلامية هي التي تحمي الشخصية الإسلامية وتحافظ عليها خلال مواكبتها للتطور الحضاري في العالم. هذا وأن التغييرات الاقتصادية الحديثة في الدول الإسلامية منها خاصة، والعتماد على نظام السوق، والتوجه نحو الخوصصة والعولمة والليبرالية المالية، ومن جهة أخرى ظهور ما سمي بالصحوة الإسلامية في مختلف بلاد المسلمين، كل هذا أعطى دفعاً لطلب الأساليب المالية الإسلامية للاستثمار الشرعي، وهذه نقطة بداية طيبة يمكن استثمارها للوصول إلى اقتصاد إسلامي سليم على هدي ونور من القرآن والسنّة. إن الوعاء الأمثل للاستثمار وتوظيف الأموال يكمن في المصارف الإسلامية التي تستثمر أموالها من المشروعات الإنتاجية بشكل مباشر. وذلك بنقيض المصارف الربوية التي تعتمد بشكل واسع في تحقيق الإيرادات عن طريق تمويل المشروعات دون أن يكون لها أي نسبة ملكية فيها أو تحمل لمخاطر الاستثمار. إلا أن هذه الأهداف تُصدم بالقوانين الوضعية في معظم الدول العربية التي لا تسمح للمصارف إلا بالتمويل دون الاستثمار المباشر.

استناداً إلى هذه الخلفية يطرح المؤلف الفكرة للوصول إلى نموذج شركة استثمار إسلامية تستند إلى القواعد والأحكام الشرعية الإسلامية، وفي الوقت نفسه لا تتعارض مع القوانين الوضعية، هذا التوازن الذي يسمح للشركة بالعمل ضمن إطار القوانين المرعية الإجراء والأحكام الشرعية الإسلامية وبما يخدم أهداف المستثمرين الأفراد.

تهدف الفكرة التي يطرحها المؤلف من خلال كتابه هذا إلى اقتراح نموذج لشركة استثمار إسلامية تراعي في تنظيمها وأدوات استثمارها، وأهدافها، الأحكام الشرعية التي لا تتعارض مع القوانين الوضعية، ويكون الالتزام بالأحكام الشرعية هو القيد الرئيس لعمل هذه الشركة رغم وجودها في واقع تحكمه قوانين وضعية تتعارض في موادها مع متطلبات الشريعة الإسلامية.