وصف الكتاب
إيماناً بما سعت إليه الدول في سياساتها المختلفة نحو التحرر الاقتصادي، ونظراً لدور الاستثمار، وتداول رؤوس الأموال في سرعة دوران العجلة الاقتصادية سعت كافة التشريعات إلى ترجمة سياساتها تلك إلى نصوص، ومواد قانونية مختلفة تعالج شتى الجوانب المنظمة لذلك، كل هذا وذاك أدى إلى جذب وتشجيع المزيد من استثمار رؤوس الأموال، كما اقتضى تطوير العمل في بورصات الأوراق المالية وتنشيط سوق المال في الدول التي أرادت استعادة مكانتها بين أسواق المال العالمية. ونظراً للأهمية البالغة التي تضطلع بها أسواق المال محلياً وعالمياً، ولما لها من دور مهم في حماية مدخرات المستثمرين قامت العديد من الدول بتكوين رؤية تشريعية، قد تبدو ثاقبة في الأعم الأغلب من الحالات، وأدت بدورها إلى صياغة قانونية دقيقة صهرت بين ثناياها كافة العناصر المكونة والمنظمة لسوق رأس المال بما يشمله من وظائف وأدوات. وعلى الرغم من الدور الكبير الذي تلعبه هذه الأسواق في تجميع المدخرات وتوجيهها نحو الاستثمار في المشاريع الإنتاجية، الأمر الذي يؤدي بالنتيجة إلى تطوير الاقتصاد الوطني، إلا أن موضوع الدراسة ما زال غامضاً لكثير من شرائح المجتمع، الأمر الذي تتضح معه أهمية هذه الدراسة والتي ستتناول أحد الخدمات المالية التي يقدمها مهنيو سوق الأوراق المالية والتي تتمثل بإدارة محافظ الأوراق المالية، أو إدارة الاستثمار كما جاء في قانون الأوراق المالية الأردني. وتنقسم أعمال إدارة محافظ الأوراق المالية إلى نوعين: إدارة منفردة تتمثل في إدارة المحفظة بشكل منفرد لحساب الغير، وإدارة صناديق الاستثمار المشترك وهو الوجه الآخر لأعمالها والتي تأخذ شكل الإدارة الجماعية، إلا أن هذه الدراسة ستقتصر على النوع الأول دون الثاني نظراً لاختلاف الأحكام القانونية المنظمة لكل منهما. وتبدو أهمية دراسة هذا الموضوع بالنظر إلى الدور الحيوي الذي يضطلع به مدير الاستثمار حيث يوكل إليه إدارة محافظ الأوراق المالية لحساب الغير، وبالتالي فهو كما عرَّفه الدكتور عبد الرحمن قرمان ",العقل المفكر والمحرك الأساسي للمحفظة الموكلة إليه",( ) مما حدا بمشرعنا الأردني إلى تحديد أسس دقيقة لاختياره، من قبيل ما تضمنته المادة (47) من قانون الأوراق المالية الأردني التي اعتمدت بدورها مدير الاستثمار كأحد الأشخاص المزاولين لطائفة من الخدمات المالية التي تقدمها أسواق المال بعد حصوله على التراخيص اللازمة. وتتمثل أعمال مدير الاستثمار بإدارة المحافظ المالية العائدة للعملاء مالكي تلك المحافظ متوخياً في ذلك الحيطة والحذر ملتزماً بأصول مهنته الدقيقة والحساسة جداً، وكل ذلك بموجب العقد المبرم بينه وبين عميله. إلا أنه وبخصوص الحديث عن مدير الاستثمار تحديداً تظهر عدة أسئلة أهمها؛ هل هناك تكييف دقيق للرابطة العقدية بين مدير الاستثمار والعميل المستثمر؟ وهل من خصوصية تحيط بهذا العقد؟ وما هو نطاقها إن وجدت؟ وهل تنحصر مسؤولية مدير الاستثمار ببذل العناية الكافية فقط، أم تتعداه لتحقيق النتيجة المرجوة؟ وما هو مقدار وحجم العناية المبذولة والمترتبة عليه في هذا الصدد؟ وما هو المعيار الدقيق لتأطير مدى حدود مسؤوليته تجاه العميل؟ وهل هناك عوامل مؤثرة على ذلك؟ وما هي الشروط الشكلية والموضوعية الواجب توافرها في القائم بأعمال إدارة الاستثمار؟ وفي حال نشأ العقد صحيحاً بين أطرافه ما هي الالتزامات الملقاة على عاتق مدير الاستثمار؟ وما هي الحقوق المترتبة له؟ وإذا أخل هذا الشخص بالتزاماته فما هي المسؤولية القانونية المترتبة عليه؟ وهل تنحصر بالتعويض الناشئ عن الضرر المترتب على فعله، أم تتعداه إلى فرض جزاءات أخرى عليه؟ هل للمسؤولية القانونية المترتبة على مدير الاستثمار ابتداءً من العقد المبرم بينه وبين عميله وانتهاءً بمهامه ومسؤولياته أثر قانوني في ميدان خدمات سوق الأوراق المالية؟ ونظراً إلى ندرة المراجع المعالجة للموضوع محل الدراسة في الوطن العربي بشكل عام وفي الأردن بشكل خاص، على الرغم من الأهمية البالغة التي يضطلع بها سوق الأوراق المالية في تنمية الاقتصاد الوطني وإنعاش روح الاستثمار، قامت الدراسة بإلقاء الضوء على أحد مقدمي هذه الخدمات خصوصاً في ظل تعليمات الترخيص والاعتماد للخدمات المالية، وتنظيمها في القانون الأردني، والتي تبدو حديثة الولادة نسبياً لقاء البلاء الحسن الذي حققته دول العالم المتقدم. وبالاستناد إلى كل ما سبق نجد أن لكل جانب من جوانب تنظيم وهيكلة سوق رأس المال سواء من الناحية الفنية، أم الإدارية، أم الرقابية، أم القانونية أهمية لا تقل بدورها عن الأخرى، إلا أن موضوع دراستنا سوف يقتصر على تمثيل عضو فعال جداً من تلك الخلية الحية المتفاضلة المتكاملة ألا وهي الجوانب القانونية المتعلقة بمدير الاستثمار. وسنقوم في هذه الدراسة باتباع كل من المنهج الوصفي، والمنهج التحليلي المعتمد في الدراسات القانونية بشكل عام، وعن المنهج الوصفي فسيتناول الإحاطة بتفاصيل المفاهيم التي يتضمنها الموضوع، ابتداءً بالعام وانتقالاً إلى الخاص، فالأكثر خصوصية، وفي التحليلي تظهر الخطوط الدقيقة لمحتوى السطور بعد تطويعها والخوض بين ثناياها قدر ما يلزم، ويخدم الدراسة.