وصف الكتاب
",هذا الكتاب حصيلة عشرين عاماً من العمل",، في تاريخ الإقتصاد الكمي. ويتضمن شرحاً وافياً لكيفية تطور الاقتصاد العالمي على مدى ألف عام، بأسلوب يقرّب القارئ من المفاهيم الإقتصادية، والتي يبالغ الأكاديميون الإقتصاديون عادة في استعمال مفردات لغتها، فيضعونها بأسلوب ",قصد به الإبهام المتعمّد والخوض في تفاهات رطانة لغة الاقتصاد",، على حدّ قول الكاتب الذي هو رئيس قسم العلوم الاقتصادية في جامعة كاليفورنيا، دافيس، وصاحب المؤلفات الكثيرة في التاريخ الاقتصادي.
يربط الكاتب بين الاقتصاد وبين المواضيع الأخرى كالثقافة وعلم النفس وعلم الاجتماع والسياسة، ربطاً وثيقاً. ",فالمؤسسات الاقتصادية السابقة صاغت طبيعتنا-رغباتنا، وتطلعاتنا، وتفاعلاتنا وهي تصوغ الآن النظم الاقتصادية الحديثة",. ويطرح تساؤلات عديدة حول أسباب التفاوت في الثراء في مناطق العالم، وحول الثورة الصناعية التي أدت إلى زيادة غنى بعض البلدان، بينما أدت إلى زيادة الفقر في غيرها.
للإجابة على هذه الإسئلة وغيرها من التساؤلات العميقة، بنى الكاتب بحثه في التاريخ الاقتصادي منذ الثورة الصناعية وما قبل الثورة الصناعية، وخلالها ومن ثم فترة ما بعدها، مدعماً بالمراجع وبالتحليلات و",بثروة من البيانات", التي جمعها، ليخلص إلى نتائج مثيرة، مثل ",وحدها المجتمعات التي لديها تواريخ طويلة بالاستقرار والأمن استطاعت تطوير خصائص ثقافية وفرق عمل فاعلة مكّنت من تحقيق نمو اقتصادي",، كما أنه توصل إلى فكرة أن ",منحاً طبيعية مثل الجغرافيا والجيولوجيا هي المسؤولة عن الاختلافات في ثروات الأمم",.
كتاب مثير للاهتمام في نظرته المختلفة التي تربط تاريخ الاقتصاد بعوامل أوسع، تشمل تأثير نواح أخرى في حياة الإنسان، وتقدم تفسيراً ذكياً لذلك. هذا الكتاب ",ربما سيغير طريقة فهم التاريخ الاقتصادي العالمي",.
لماذا نجد أن بعض المناطق في العالم واسعة الثراء وبعضها الآخر شديدة الفقر؟ لماذا حدثت الثورة الصناعية-والنمو الاقتصادي غير المسبوقين اللذان واكباها- في إنكلترا في القرن الثامن عشر، وليس في مكان آخر، أو في زمان آخر؟ لماذا لم يود التصنيع إلى إثراء العالم بأجمعه -ولماذا جعل مناطق واسعة من العالم أفقر من ذي قبل؟ يعالج غريغوري كلارك في كتابه ",الاقتصاد العالمي", هذه الأسئلة العميقة ويقترح طريقة جديدة ومثيرة تفسر بموجبها الثقافة- وليس الاستغلال، أو الجغرافيا أو الموارد- ثراء الأمم وفقرها.
في رد على النظرية السائدة التي تقول بأن الثورة الصناعية انطلقت نتيجة لتطور مفاجئ في المؤسسات السياسية والقانونية والاقتصادية المستقرة في أوروبا في القرن السابع عشر، يبين كلارك أن هذه المؤسسات وجدت قبل زمن طويل من ظهور الصناعة. ويجادل بالمقابل بأن هذه المؤسسات أدت بالتدريج إلى تغيرات ثقافية عميقة عبر تشجيع الناس على التخلي عن غرائز المجتمعات التي تعيش على الصيد وعلى جمع الحبوب-العنف، وقلة الصبر، واقتصاد الجهد، وعلى تبني عادات اقتصادية-العمل الدؤوب، والعقلانية والتعليم.
المشكلة، كما يقول كلارك، هي أنها وحدها المجتمعات التي كان لديها تواريخ طويلة بالاستقرار والأمن استطاعت تطوير خصائص ثقافية وفرق عمل فاعلة مكنت من تحقيق نمو اقتصادي. أما المجتمعات التي لم تنعم بفترات طويلة من الاستقرار، فلم تحل عليها نعمة الصناعة، كما يحلل كلارك الفكرة التي دافع عنها جيرد دايموند في كتابه Guns, Germs, a nd steel التي تقول بأن منحاً طبيعية مثل الجغرافيا هي المسؤولة عن الاختلافات في ثروات الأمم.
إنه تحد ذكي ورصين للفكرة التي تقول بأنه يمكن تطوير المجتمعات الفقيرة عبر التدخل الخارجي، وربما يعير كتاب ",الاقتصاد العالمي", طريقة فهم التاريخ الاقتصادي العالمي.