وصف الكتاب
منذ بداية دراساتي في علم التحليل النفسي، تركزت أبحاثي على مسائل علم النفس الأنثوي. وكانت أولى نتائجي موضوعاً لكتاب بعنوان ",التحليل النفسي للوظائف الجنسية للنساء",. وكان يعكف هذا الكتاب على تملس، بطريقة قياسية، نمو الحياة الغريزية للمرأة وعلاقاتها مع الوظيفة التناسلية. ولم أكن أدرك تماماً عدم كفاية وثائقي. وكان لي نية في إغنائها ف أعقاب ذلك. فتابعت منذ ذلك الوقت جمع مواد الملاحظة ورحت أنشر نتائجي من وقت إلى آخر. وأحس الآن بحاجة لإعادة النظر بأفكاري القديمة على ضوء هذه التجربة الطويلة، وإعادة التأكيد على الأفكار التي أثبتت جدواها، وتصحيح أو استبعاد تلك التي اتضح عدم دقتها.
وقد تبنى كتاب آخرون العديد من وجهات نظري وأغنوها بأفعال جديدة. هذا العمل الذي أقدمه الآن هو دعم لكتابي الأول ليس فقط بثمرة تجربتي الشخصية، إنما أيضاً بمساهمات هؤلاء الكتاب، وقبل كل شيء بالمنشورات السابقة لفرويد حول علم نفس المرأة.
كما أثارت المسائل التي نوقشت هنا جدالات حامية، وأدت تباينات الرأي هذه إلى حالات من سوء التفاهم، وتعريفات غير دقيقة، كالحالة التي نشأت مثلاً بالنسبة لمبدأي ",الذكوري-النشيط", و",الأتثوي- السلبي",. وطبق هذان المبدآن مباشرة على طاقة الغرائز الجنسية وأدى ذلك إلى تشوش بين الظواهر النفسية البيولوجية. واللوم الذي وجه إلى هذا التشوش للمجالين مبرر تماماً.
ومن ناحية أخرى هناك ميل يشتد أكثر فأكثر لتفسير اختلافات سلوك الجنسين بواسطة التربية أو تأثير الوسط المحيط، على حساب العوامل البيولوجية والتشريحية الجسدية. إن علم التحليل النفسي لا ينكر أبداً أن الوسط الاجتماعي يلعب دوراً هاماً جداً، وأنه يخلق المشاكل ويوجد لها حلاً. ويعالج الباب الأخير من هذا الكتاب هذه المسألة ويعرض تصوراً تحليلياً نفسياً لعلم النفس الأنثوي في ارتباطاته مع الظرف الاجتماعي.
وإذا قام علم النفس التحليلي انطلاقاً من نظرية الغرائز، فستتوسع أسسه على نحو كبير. فغريزة المحاور الذاتية، وغريزة العدوان، وغريزة الموت تتميز على الغرائز الجنسية، ويدأب بحث التحليل النفسي باهتمام متنام بعلم نفس الأنا, وتستخدم نظرية التحليل النفسي للغرائز في هذا الكتاب لتوضيح الخلفية البيولوجية التي تصدر عنها الشخصية النفسية للمرأة. وإذا كان للوسط الاجتماعي من ناحية، والعوامل البيولوجية من ناحية أخرى تأثير رئيسي على المظاهر النفسية، فالتشديد هنا على التجارب العاطفية الفردية والصراعات التي تنجم عنها. ولا ترتبط هذه الصراعات فقط بالأسباب البيولوجية أو الاجتماعية، طالما هناك علاقة وثيقة بين هذه العوامل.
وهكذا فهدف هذا الكتاب هو تفسير الحياة النفسية الطبيعية للنساء وصراعاتهن العادية. ونعلم أن الصحة النفسية لا تكون في غياب الصراعات إنما في فعالية الطرق المستخدمة لحلها. ويمدنا علم الأمراض بالمعلومات حول الصراعات الطبيعية، ويساعدنا على فهم التطورات الطبيعية في ضوء التطورات المرضية. وقد اكتسبت معظم معارف التحليل النفسي في علم النفس الطبيعي من دراسة حالات الانحراف والشذوذ. وفي دراسة علم نفس المرأة، يكون السلوك العصابي على نحو خاص جداً غنياً بالمعلومات. ولهذا السبب سيجد عرض الحالات العصابية مكانته هنا، إذ أن الظواهر التي تبدو فيه، مع أنها غير طبيعية، لا تمثل غالباً إلا تشويهاً أو تكثيفاً للطبيعي، وهي تمدنا هكذا بنوع من الرؤية المجهرية لما يدرسه علم التحليل النفسي بالمجهر.