وصف الكتاب
إن القارئ لتطور الفكر المحاسبي يجد أن مشكلة تخصيص التكاليف من المشاكل ذات الجذور التاريخية، غير أنها لم تبد واضحة الأهمية في الكتابات المحاسبية إلا منذ الثلاثينات من القرن العشرين عندما وجه Canning النظر إليها عام (1925) ثم ازدادت أهميتها بإدخال Paton (1940) &, Littleton مفهوم المقابلة، حيث تركز الانتباه على الحقائق التي توفرها الممارسات القائمة وقتها. ويرجّع Scapens مشكلة تخصيص التكاليف إلى نشأة محاسبة التكاليف، إلا أن أهميتها في الأدب المحاسبي ظهرت في الستينات من القرن العشرين.
هذا وتتجسد أهمية مشكلة تخصيص التكاليف في تعدد واختلاف المقترحات بشأنها واستمرار بحثها في الفكر المحاسبي دون التوصل إلى حل حاسم بشأنها. سواء في مجال البحوث المحاسبية أو المجال العملي. مما جعلها محلاً للعديد من البحوث والدراسات بسبب عدم الرضا عن نتائج الطرق المطبقة، الأمر الذي جعل منها مجالاً خصباً للعديد من الدراسات والأبحاث، والمنبع الدائم للدراسة، ولقد حظيت تلك المشكلة باهتمام الكثير من الباحثين في مجال محاسبة التكاليف، واقترحت نماذج عديدة لحلها غير أنها تتفاوت فيما بينها من حيث القبول النظري وسهولة وشيوع التطبيق العملي من ناحية، والتغيرات ونواحي القصور التي شابت هذه النماذج من ناحية أخرى. ولقد تناولت العديد من الدراسات مشكلة تخصيص التكاليف، إلا أن الأساليب المتوفرة والمستخدمة في حلها كانت وما زالت طرقاً حكيمة تفتقر إلى التبرير النظري. ويعود الفضل الكبير في إبراز ذلك القصور الجوهري لكتابات (1969) Thomas حيث اعتبر أن كل طرق التخصيص هي طرق حكمية، وأوضح بأن هناك ثلاثة معايير تمثل الحد الأدنى من الشروط للتبرير النظري لطرق التخصيص، وهي أن تكون الطريقة واضحة (بحيث لا تترك المحاسب محتاراً في اختيار أي طريقة)، ويمكن الدفاع عنهابالإضافة إلى توافر خاصية القابلية للتجميع.
لقد أدت أهمية مشكلة تخصيص التكاليف إلى ظهور العديد من الدراسات التي تناولت جوانب متفرقة لعلاج هذه المشكلة. فقد حظيت بمكانة هامة ومتميزة كأحد المواضيع الرئيسية في الأدب المحاسبي الأمريكي، وذلك عندما واجهت هذه المشكلة مجلس معايير محاسبة التكاليف (1970) Cost Accounting Sta ndard Board (CASB) خلال إعداده معايير تكاليفية موحدة لحساب تكاليف عقود الشركات التجارية والدفاعية، حيث أصدر المجلس ستة معايير تختص بتخصيص التكاليف. أما على الصعيد المجهودات الفردية التي قدمها المحاسبون فهي متعددة ومتنوعة ومتباينة، وتتضمن زوايا متفرقة لحل هذه المشكلة. وتصنف هذه الطرق حسب المدخل المتبع في كل منها.
هذا ورغم العديد من الانتقادات التي تدعي بعشوائية تخصيص التكاليف، وأنها تسفر عن نتائج وقوائم مضللة وقرارات خاطئة، فإنه يلاحظ على مستوى التطبيق العملي اهتماما متزايداً، وانتشاراً واسعاُ لطرق التخصيص، مما جعل من موضوع تخصيص التكاليف نقطة هامة لمناقشة الفجوة بين النظرية والتطبيق. حيث كشفت دراسة ميدانية لـ (Kreemans et al 1991 p. 151) أن مشكلة تخصيص التكاليف تحتل المرتبة الأولى في قائمة المشاكل الرئيسية الخاصة بالتكاليف. هذا وقد أثبت (1981) Fregman &, Lio هذه الفجوة من خلال اختلاف أهداف تخصيص التكاليف من منشأة لأخرى. ورغم وجود اختلافات في الطرق التي يستخدمها الممارسون عن تلك التي يحددها الأكاديميون، فقد ذكر (1991) Mariarity &, Allen أن العديد من الأكاديميين قد استنتجوا أنه يتعين على الشركات تجنب عمليات تخصيص التكاليف، إلا أن الممارسين للمهنة يواجهون في الواقع العملي الحاجة لعمليات التخصيص هذه، ولكنهم غير راضين عن طرق التخصيص الحالية. مما يجعلهم أمام قرارين: إما الاستمرار في استخدام الأساليب الحالية حتى يحدث تطور في نظرية المحاسبة يحول دون الحاجة إلى عمليات التخصيص، أو البحث عن وسائل أفضل للتخصيص يمكن استخدامها حتى يحدث ذلك التطور.
واستمراراً لجهود البحث في هذا المجال قدم Kaplan &, Cooper طريقة جديدة لتخصيص التكاليف اصطلح عليها نظام التكلفة على أساس النشاط كأحد البدائل المقترحة لحل العديد من المشاكل المرتبطة بالأنظمة التقليدية القائمة على أساس الحجم بصفة عامة، ومشكلة تخصيص التكاليف بصفة خاصة. ولقد حظي هذا النظام باهتمام كبير ومتزايد في السنوات الأخيرة باعتباره يمثل تطوراً ملموساً عن طريق التحديد الدقيق والسليم لتكلفة المنتجات، ويؤدي إلى تخصيص أكثر دقة، إلا أن نجاحه عملياً يتوقف على توافر ظروف ومتطلبات معينة يمكن التعبير عنها بـ (مقومات تطبيق نظام التكلفة على أساس النشاط) والتي يصبح تطبيق النظام غير مجدي من الناحية الاقتصادية في حالة عدم توافرها. ومن هذا المنطلق جاء هذا الكتاب ليتناول وبالتفصيل كافة الأمور المتعلقة بنظام التكلفة على أساس النشاط، سواء من حيث الفلسفة أو التطبيق . فقد تم تقسيم هذا الكتاب إلى ثلاثة أجزاء: تناول الجزء الأول الإطار النظري لنظام التكلفة على أساس النشاط مدعما بالتطبيق العملي من قبل العديد من الشركات، لاسيما في الدول المتقدمة، بينما تناول الجزء الثاني جملة من الأسئلة والتطبيقات حول هذا النظام، وحتى يتم التسهيل على الطالب لفهم فلسفة النظام، ويكون بمقدوره اختبار درجة استيعابه فقد تم إفراد الجزء الثالث والأخير من هذا الكتاب للإجابة النموذجية للأسئلة والتطبيقات المقترحة في الجزء الثاني.