بعد أن حسمت التغيرات التي شهدها العالم خلال السنوات العشر الأخيرة إمكانية نشوب حرب كونية مدمرة على المدى المنظور، وأصبحت أدوات الصراع اقتصادية وتقنية بالدرجة الأولى، حيث أن امتلاك الطاقة ومصادرها ورؤوس الأموال والتقنية لم تعد تشكل عناصر القوة بمفردها، بل لا بد من حمايتها وإدارتها وتسويقها بكفاءة بما استوجب تشكيل تكتلات اقتصادية إقليمية ومنظمات واتفاقيات دولية، فقد بات من المستحيل على دولة ما أن تبقى معزولة عن دول العالم، وألزم جميع دول العالم الثالث البحث من خلال الانضمام أو المشاركة في تكتلات أو منظمات أو اتفاقيات إقليمية أو دولية. ونظراً لأن العالم العربي يملك معظم مقومات وعناصر القوة، لولا التمزق والتخلف الصناعي والتقني الذي أدى إلى تصنيف الدول العربية كدول نامية وجعلها محط أنظار الآخرين ومطامعهم، فإن الدول القوية، تعمل على تقسيم العالم ورسم خريطته المستقبلية وفق مواصفاتها ومصالحها، وتتفق على أن وضع الدول العربية الحالي يؤهلها لطرح مشروعات تسهم في تحديد مستقبلها، وتعطل في الوقت ذاته أي إمكانية لتحقيق وحدة عربية أو إسلامية أو حتى إجراء تنسيق مثمر فيما بين الدول الفقيرة بشكل عام.

لذلك ومنذ سنوات عدة تم طرح مشروعات، منها ما هو إقليمي مثل مشروع النظام الشرق أوسطي، ومنها ما يربط دول حوض البحر الأبيض المتوسط العربية بأوروبا، إضافة إلى مشروعات دولية مثل ضم دول المنطقة إلى منظمة التجارة العالمية. ومن أجل ذلك له تم إجراء الاتصالات وعقد اللقاءات والندوات والمؤثرات، والتي كان من أبرزها مؤتمرات القمة الاقتصادية لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لتكون حقل اختبار وتجارب بغية التوصل إلى أفضل السبل لتحقيق ما يمكن تحقيقه من هذه المشروعات. وبغرض التعريف بها، ومحاولة الوقوف على إمكانية تحقيق أي من هذه المشروعات وآثاره على الدول العربية ومستقبلها، وموقع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من هذه المشروعات.

ولهذا وضعت هذه الدراسة التى تطمح إلى أن تساهم في فتح آفاق جديدة للنقاش العلمي الهادئ والمسؤول حول أهمية انضمام أو مشاركة الدول العربية في أي من المشروعات المقترحة، والتوصل إلى نوع من الحكم الموضوعي على آثار كل منها. هذا، وتم الاعتماد على مراجع دولية صادرة عن كل من البنك الدولي واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا)، ومنشورات منظمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومراجع معتمدة أخرى ثبتت وفق الأصول في هذه الدراسة. وتم تقيم الدراسة إلى الأجزاء التالية: 1-مشروع النظام الشرق أوسطي. 2-مشروع الشراكة الأوروبية المتوسطية. 3-مجلس التعاون لدول الخليج العربية. 4-الوحدة الاقتصادية العربية. 5-مؤشرات اقتصادية للدول المعنية بالمشروعات الإقليمية والدولية في المنطقة. حيث تم استعراض هذه المشروعات من حيث الفكرة والتطور وإمكانية التطبيق والآثار المتوقعة على الوضع العربي، في ضوء الأرقام والنسب المنشورة حول الواقع الاقتصادي في الدول العربية والدول المقترح التعاون معها، لمحاولة الخروج باستنتاجات موضوعية حول البديل الأفضل للدول والشعوب العربية حاضراً ومستقبلاً.