وصف الكتاب
يتضمن هذا الكتاب كامل أعمال ووقائع ندوة ",المشاريع الدولية لمكافحة الفساد والدعوة للإصلاح السياسي والاقتصادي في الأقطار العربية", التي أقامتها المنظمة العربية لمكافحة الفساد بدعم من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في فندق البريستول في بيروت في 7 حزيران/يونيو 2006، وذلك ضمن برنامج الدعم المقرر من الصندوق للمنظمة لتمكينها من تمويل الندوات والمؤتمرات (أحد نشاطاتها الرئيسية) الرامية لنشر الوعي عن الفساد في الأقطار العربية ودراسة سبل مكافحته.
يحتوي هذا الكتاب على البحوث المقدمة للندوة وعددها ثلاثة، والتعقيبات عليها وعددها أربعة، إضافة إلى وقائع المناقشات المفتوحة التي تلت ضمن محاور الندوة الثلاثة. كما يتضمن نص المقال ",من عصارة العمر", الذي تم توزيعه على المشاركين في نهاية الندوة والذي تضمن خواطر كاتبه دولة الرئيس د. سليم الحص (رئيس مجلسي الأمناء والإدارة في المنظمة) حول واقع الفساد في لبنان أثناء توليه مسؤولية الحكم في فترات مختلفة خلال العقود الثلاثة المنصرمة.
تشكل محتويات الكتاب بمجملها محاولة بحثية جادة للتحليل المنهجي لعناصر المبادرات الدولية لمكافحة الفساد ومن ثم التوصل للقراءة الصحيحة لحقيقة أهدافها، وخاصة تحليل مدى ارتباط تلك الأهداف بمتطلبات تسارع وتيرة العولمة في عالمنا الحاضر. ولإيمان منظمتنا الراسخ بضرورة تحقيق الإصلاح الشامل في أقطارنا العربية، لتمكينها من مواجهة تحديات العولمة المتسارعة والحداثة؛ ارتأت المنظمة أن تطرح أول ندوة تعقدها هذه المسألة بغرض التوصل إلى مقاربة صحيحة لمكونات الاستراتيجية الإصلاحية الواجب إتباعها في أقطارنا العربية، التي تمكنها من التصدي لانتشار آفة الفساد من خلال تحقيق الحكم الصالح.
لذا جرى التركيز ضمن محاور الندوة الثلاث على نقطة محورية وهي ضرورة التوصل لبلورة رؤية واضحة تمكن أقطارنا العربية من وضع استراتيجية فاعلة تؤدي إلى تحقيق أهدافها الإصلاحية، وتبيان الأخطار التي تكتنف القبول الضمني بالمشاريع الدولية. فالتقاطع الظاهري بين ما تطرحه بعض تلك المبادرات الدولية وما تصبو إليه الشعوب العربية من التقدم والرخاء قد يحمل في طياته إشكالية أساسية، وهي حجب الأنظار عن الاختلاف الحاصل بين الطروح أعلاه من حيث توفير بعض عناصر تلك المبادرات الدولية الغطاء اللازم لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية لقوى خارجية لا تتطابق بالضرورة مع المصالح المشروعة لأقطارنا العربية؛ فالندوة عكست بمجملها توجهات وأهداف منظمتنا في هذا المضمار الداعية إلى ضرورة إخضاع جميع المبادرات الإصلاحية لمعايير محددة تضمن توجيهها نحو تحقيق مصالحنا المشروعة بالدرجة الأولى، من خلال بلورة استراتيجية واضحة تضمن ذلك.
تتوزع بحوث الندوة المنشورة في هذا الكتاب والتعقيبات التي تلتها على ثلاثة محاور:
المحور الأول للندوة ",تعريف مفهوم الفساد",، يسلط الضوء على الطبيعة المركبة والمعقدة لهذه الظاهرة من حيث عدم اقتصارها على الجانب المالي الذي يجري التركيز عليه ضمن معظم المبادرات الدولية. إذ إن تجذر الفساد كظاهرة ",مجتمعية", يفرز العديد من التداعيات السلبية المؤثرة على مختلف الأبعاد السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والسلوكية لمجتمعاتنا العربية، التي جرى التطرق لها ضمن هذا المحور. كما تم التركيز ضمن هذا المحور على ضرورة التوصل من خلال الأبحاث الميدانية، إلى تعريف للفساد يعكس واقعه الميداني في أقطارنا العربية؛ إذ إن الفشل في تحقيق هذا سيؤدي حتماً إلى تبني استراتيجيات غير فاعلة تقتصر على الشكليات فقط.
أما المحور الثاني للندوة ",المشاريع الدولية الداعية للإصلاح السياسي في الأقطار العربية",، فقد تناول نقطة محورية: وهي كون الإصلاح السياسي يشكل المدخل الأساسي لتفعيل مختلف المبادرات الإصلاحية الشاملة . فالإصلاحات المؤسسية الرامية إلى تحسين فاعلية آليات مكافحة الفساد( التي يجري التركيز عليها ضمن المبادرات الدولية) لن يكتب لها النجاح ما لم تكون مستندة إلى الإرادة السياسية الواضحة على الصعيدين الرسمي والشعبي، للتصدي المنهجي لآفة الفساد.
أمّا المحور الثالث والأخير للندوة ",المشاريع الدولية للإصلاح الاقتصادي في الأقطار العربية",، فقد جرى تخصيصه لبحث وتحليل التداعيات السلبية لانتشار الفساد على مسيرة النمو الاقتصادي في الأقطار العربية، حيث تم التركيز ضمن هذا المحور على إبراز التباينات الحاصلة بين ما تدعو إليه بعض المبادرات الدولية في هذا المضمار (لكونها موجهة أساساً نحو تسهيل تسريع وتيرة العولمة)، وتطلعات شعوبنا العربية لتسريع وتيرة النمو الاقتصادي بما يضمن تحقيق مصالحها الاقتصادية المشروعة.
يتوجه هذا الكتاب إلى الباحثين والمختصين بمكافحة الفساد وجميع المسؤولين على الصعيد الرسمي، والناشطين في المجتمعات المدنية العربية الذين يجدون فيه محاولة جدية لتصويب مسار المبادرات الإصلاحية وتوجيهها لخدمة مصالحها القطرية المشروعة وضمان عدم إخضاعها بالضرورة لتحقيق أهداف غير معلنة لا تصب في مصلحة المشروع النهضوي العربي، والتي تكون ناتجة عن القبول الضمني بالمبادرات الدولية في هذا المجال من دون إخضاعها للتحليل النقدي المنهجي.
وتأمل منظمتنا أن تكون هذه الندوة الأولى في حلقة متواصلة من الندوات/المؤتمرات/وورش العمل التي تهدف إلى تحقيق أعلى المستويات الأكاديمية للدراسات التفصيلية لمختلف جوانب الفساد، وبلورة الإستراتيجيات الإصلاحية للتصدي له، والتي تضمن المحافظة على مصالح أقطارنا المشروعة على المستويات القطرية والقومية.