وصف الكتاب
كل فرد من الأفراد اختبر الحياة العائلية خلال مسيرة حياته اليومية من جوانب متعددة اجتماعيا أو اقتصاديا أو حتى على المستوى الشخصي. ولذلك فالعائلية ظاهرة كونية، يختبرها كل مجتمع إنساني مهما كان تركيبه العلمي أو الديني أو الثقافي أو الاقتصادي أو حتى السياسي، وإن الكلام حول المؤسسة العائلية في المجتمع موجه في واقع الأمر لكل الأفراد مهما كانت أفكارهم ومعتقداتهم, وإن الحديث عن المؤسسة العائلية يتطلب دارسة العائلة ووظيفتها وتركيبتها ولقد جاءت بعض الإجابات من المدرسة الاجتماعية الأمريكية، وبالخصوص عن طريق عالم الاجتماع الأمريكي (جورج ميردوخ) الذي درس العائلة ووظيفتها وتركيبتها الأساسية في أكثر من مئتين وخمسين مجتمعا من مجتمعات العالم، وتوصل إلى نتيجة مهمة وهي أن ظاهرة العائلة النووية الصغيرة إنما هي ظاهرة تكوينية عالمية، فهل أن المؤسسة العائلية ظاهرة عالمية أم أنها غير ذلك؟ هل هي مختصة بلون محدد من المجتمعات؟ المدرسة الاجتماعية الأمريكية أجابت، وبالخصوص عن طريق عالم الاجتماع الأمريكي (جورح ميردوخ)، وتوصل إلى نتيجة مهمة وهي أن ظاهرة العائلة النووية الصغيرة إنما هي ظاهرة عالمية، يختبرها كل مجتمع إنساني مهما كانت تركيبه العلمي أو الديني أو الثقافي، فالمجتمع لا يستطيع أن يحيا دون وجود مؤسسة للسيطرة على السلوك الإنساني، وهذه السيطرة هي التي ولدت العرف العقلاني الخاص بالسلوك الجنسي المتفق عليه اجتماعياً، ولولا الحقوق والواجبات التي وضعت على الأفراد أو لهم ضمن المجموع، لما تحقق وجود المجتمع والنظام الاجتماعي، بل لكان الأفراد مجرد كائنات حية تعيش بانفراد دون نشاط اجتماعي ملحوظ على الصعيد التاريخي، فإن للزواج وللعائلة دوراً حيوياً في السيطرة على السلوك الاجتماعي، فقد طورت المجتمعات الإنسانية -عبر رسالة الدين والفلسفة الاجتماعية- العلاقات التفاعلية في الزواج، ومسؤولية رعاية مصالح القاصرين من الأطفال والعجزة، وانتقال الملكية، والحقوق المدنية، والمنزلة الاجتماعية، أما الدور الاجتماعي للدولة فإن القوانين إنما جاءت لتلزم الأفراد بالانصياع للتشريعات الاجتماعية أو الدينية، والفرق بين القانون والعرف الاجتماعي هو أن القانون أو التشريع يكتب بينما يبقى العرف الاجتماعي أمراً معنوياً مع تغير الأحداث والأفراد، ولذلك فإن القانون أو التشريع له خاصية الديمومة والاستمرار أكثر من العرف الاجتماعي. تحتل (النظرة الفلسفية) لموقع (العائلة) في المجتمع الانساني دوراً مهماً في الفكرة الاجتماعية الغربية، خصوصا على صعيدي النظرية التوفيقية بزعامة (هربت سبنسر) و (اميلي ديركهايم)، ونظرية الصراع الاجتماعي بزعامة (كارل ماركس) و (فريدريك انجلز). فللمؤسسة العائلية، حسب آراء (سبنسر ديركهايم) دور حيوي خطير في حفظ المجتمع الانساني وسد الادوار الشاغرة التي يتركها الافراد حين الموت. الا أن نظرية الصراع الاجتماعي تصر، حسب رأي (فريدريك أنجلز)، على أن المؤسسة العائلية هي اول مؤسسة إضطهادية يختبرها الفرد في حياته الاجتماعية. وتعارض النظرية الاجتماعية الرأسمالية فكرة تعدد الزوجات باعتبارها نقيضاً صارخاً لمفهوم (المذهب الفردي) الذي قامت على أساسه أركان النظام الاقتصادي الرأسمالي الحديث. وتختلف اشكال العلاقات الاجتماعية فيما يتعلق بالزواج والعائلة والنسب من مجتمع لآخر، فلكل مجتمع على الاغلب شفرة اخلاقية تشير الى منع التزاوج بين افراد العائلة الواحدة، كحرمة التزاوج بين الاخوة والاخوات والابناء والامهات مثلاً. ففي المجتمع الرأسمالي يحرم النظام القضائي على الفرد التزوج من الأم، والجدة، والبنت، والأخت، والعمة، والخالة، وبنت الأخ، وبنت الأخت. وفي تسع وعشرين ولاية من الولايات المتحدة يحرم القانون الزواج بين ابناء وبنات الاعمام ويعتبره غشيانا للمحارم. ويزعم رواد النظرية الاجتماعية الرأسمالية ايضاً، ان من اعظم خصائص النظام العائلي الرأسمالي هو إقرار النظام بحرمة تعدد الزوجات، اي انه لايجوز للفرد التزوج باكثر من امرأة واحدة في نفس الفترة. وهذا الزعم يتناسب مع الفكرة الرأسمالية التي تؤكد على دور الفرد في الحياة الاجتماعية والانتاجية، لأن اباحة تعدد الزوجات يناقض مفهوم ",المذهب الفردي",. الذي تنادي به النظرية الرأسمالية، وتعتبره سر نجاحها الاقتصادي. ولكن هذه النظرية تتجاهل الازمات الاجتماعية التي تمر بها الانسانية بعد الحروب الطاحنة مثلاً، وما يترتب عليها من خسائر عظيمة في عدد الرجال.