وصف الكتاب
أميرة شرقية عربية وابنة سلطان عربي كبير تخرج قبل أكثر من مائة عام على تقاليد قومها فتتزوج شاباً ألمانياً وتهجر من أجله وطنها وملك أبيها وتترك حياة العز والقصور لتطوح بها الأقدار في ديار الغربة بين لندن وبرلين، وتستبدل حياة الاختلاط والسفور في أوروبا بحياة الحريم والحجاب في الشرق وباسمها العربي السيدة سالمة بنت سعيد اسماً أعجمياً هو البرنسيس أميلي روث، ثم تضيق بها الحياة بعد عشرين عاماً، أو تضيق هي ذرعاً بالحياة الأوروبية فتحن إلى الرجوع إلى وطنها الأول، ولكن أبواب العودة تغلق في وجهها فتعكف تكتب باللغة الألمانية قصة حياتها وتجاربها وتستعيد ذكريات بلادها وبني قومها.
هذه القصة الغريبة النادرة التي تكاد أن تشبه قصص الخيال والتي ندر من سمع بها في الشرق رغم شيوعها في الغرب هي موضوع هذا الكتاب الذي بين أيدينا. والأميرة هي السيدة سالمة ابنة السيد سعيد بن سلطان، سلطان عُمان وزنجبار (1804-1856) وحفيد الإمام أحمد بن سعيد مؤسس السلالة الحاكمة في عُمان. وقد حدى بـ",عبد المجيد القيسي", إلى ترجمة هذا الكتاب ونشره أسباب عدة تدور في معظمها حول طابع ",الندرة", الذي يسم هذا الكتاب ومؤلفته وموضوعه. وحول غرابة لظروف التي أملت على مؤلفته كتابته. فعدا عن ندرة من سمع بهذه القصة بين القرّاء العرب وندرة من قرأها بين العاملين بها، فالكتاب بحد ذاته وبجميع طبعاته في اللغات الثلاثة التي صدر بها، نادر الوجود فقود الأثر، بعد أن مضى على نشره أول مرة زهاء قرن من الزمان، ومن عوامل الندرة في الموضوع كتابة السيرة بحد ذاتها.
ذلك أن كتابة السير الذاتية والمذكرات الشخصية باللغة العربية لم تعرف بين المؤلفين والكتاب العرب في ذلك الحين. وإذا كان أدب التراجم في لغة الضاد على هذا الحال من الثورة في أدب الرجال على وفرته، فهو في أدب النساء بحكم المعدوم أصلاً، وعلى هذا فاكتشاف أي أثر عربي من هذا القبيل يعتبر ولا شك إضافة قيمة إلى تراثنا النزر في هذا الميدان. خاصة إذا كان هذا الأثر قد كتبته أميرة عربية من نساء الشرق في القرن التاسع عشر عاشت في بيت أبيها السلطان أقصى بقعة حكمها العرب وهي زنجبار فجربت حياة النعمة والجاه وخبرت مراسم القصر السلطاني وآدابه، كما خبرت حياة الحريم وكيد النساء ودسائس الرجال فجاءت تروي طرفا من كل ذلك في مذكراتها هذه! ومن هنا تكتسب هذه المؤثرات أهمية خاصة وقيمة نادرة في الكشف عن جوانب هامة من الحياة السياسية والاجتماعية في زنجبار في تلك الحقبة من الزمان، فالمؤلفة، وهي ابنة القصر السلطاني والعالمة بداخله وخفاياه تتبسط في الحديث عن نظم القصر السلطاني في زنجبار ومراسمه وتقاليده وأسلوب العيش فيه فتقدم عن الحياة الداخلية فيه صوراً فريدة نادرة فيها المتعة وفيها الفائدة الجلي للراغبين في دراسة هذه المواضيع.
والمؤلفة في هذه النقطة بالذات أول امرأة، بل أميرة عربية كتبت في هذا الموضوع عن مشاهدة وعلم واطلاع، ولا يعرف لها نظيرين هذا الباب إلا الشريفة مصباح حيدر التي كتبت مذكراتها عن الحياة في بيوت شرفاء مكة في استانبول ومكة المكرمة في مطلع هذا القرن. على أن مذكرات الأميرة الزنجبارية لا تقتصر على وصف حياة القصر فحسب بل تتعداه إلى وصف مظاهر متعددة للحياة والتقاليد الاجتماعية السائدة في زنجبار آنذاك، مما يعتبر ثروة قيمة لدارسي علم الاجتماع وعلم الأقباس، كما وتزخر مذكراتها بعد هذا بالإشارات الكثير إلى بعض الأحداث التاريخية وقصص المؤامرات وأساليب الحكم والإدارة، كما تزخر بالصور الوصفية للسلطان السيد سعيد وخلفائه من بعده وبعض حريمه وأبنائه ووزرائه وبهذا تلقي المؤلفة أضواء جديدة على شخصيات هؤلاء الحكام وخلفيات حياتهم، وبطبيعة الحال فهي في كل هذا تعرض عن الصورة الجانب الذي تراه أو تفهمه أو يوافق هواها وقد يجانبها الحق والصواب بعض الأحيان، لكن آراءها وأفكارها تبقى رغم هذا علائم مهمة لدراسة تاريخ تلك البلاد. ومما يزيد في أهمية ما تضمنه هذه المذكرات من أخبار وآراء أنها تتعلق ببلد عربي قل من يعرف من أخباره شيئاً وقل من يعرف أن هذا البلد ظل عربياً حتى عام 1964، حيث فقد في مأساة دامية أضيفت إلى مآسي العروبة في الأندلس وفلسطين، بل وأكثر من هذا فإن علم القرّاء بتاريخ عمان التي كانت زنجبار جزء منها ثم انفصلت عنها، ظل سطحياً عديم الجدوى حتى الأعوام الأخيرة حيث خرجت عمان من عزلتها وعاد اتصالها القديم بالعالم.