وصف الكتاب
إن دارس النقد العربي القديم يلمح فيه احتفاءً واضح المعالم بالظاهرة النفسية التي تكتنف العملية الإبداعية عند الشاعر. فقد أدرك النقاد عموماً، أن الشعر تعبير فني بطريق الكلمة الموزونة عن داخلية مثارة بمؤثر داخلي أو خارجي وأن معين الشعر إنما هو نفس الشاعر وعاطفته. ومن هنا جاءت هذه الدراسة والباحث يعقد عزمه فيها على بحث هذا الركن المهم في جملة أركان العملية الإبداعية في الفن الشعري، محاولاً بيان ",الفعل الفني", لهذه الحال الوجدانية حين تعصف في صدر شاعر. وذلك عند الناقد العربي القديم. فموضوع الدراسة، إذن، عاطفة الإبداع الشعري، التي تعني عند الباحث: تلك الهزة النفسية التي تعرو الشاعر فتحرك كيانه، وتشغل قواه وملكاته، وتضطره أخيراً إلى التعبير انها هذا الشعور الغلاب ذو السلطان القوي على نفس الشاعر، هذا الجيشان الذي يعتمل في الصدر فيقذفه على اللسان، يسمي الشاعر شكسبير هذه الحال باسم ",نشوة الشعر",. بينما يسمى شاعرنا العربي عمر بن أبي ربيعة هذه الحال بـ",الطرب",.
وعلى أية حال، ومهما تكن النتيجة فقد استهدفت الدراسة في هذا الكتاب الإلمام بكل ما يتصل بهذه الحال النفسية وآثارها في العمل الشعري، فكان عليها أن تجلو الطبيعة الفنية لهذه العاطفة، وأن تتبين صلاتها بعناصر الفن الشعري الأساسية، من خيال ولغة وموسيقا، وأن تعرض للإدراك النقدي العربي لهذا النص وللمقاييس التي اتخذها النقاد في تحديد درجاته ومستوياته. ومن هنا كانت نصوص النقد العربي القديم، حتى نهاية القرن الرابع، والأخبار التي تتحدث من كيفيات الإبداع الشعري عند شعراء العربية، وكذا الروايات التي تصور مواقف النقاد مما يعرض عليهم من نماذج الشعر، كانت كلها خيوطاً أساسية في نسيج هذه الدراسة، ولا يني ذلك أن الباحث يمم شطر القديم قاطعاً كل صلب الحديث، بل كانت خطته عرض بين يدي كل موضوع من موضوعات الدراسة ما يكاد يكون تكثيفاً لوجهة النظر الحديثة في إدراكه وفهمه، مطيلاً الوقوف عند صورة الأمر في النقد القديم عارضاً ومفسراً ومناقشاً، حتى إذا اعتقد أنه أكمل الصورة وأتى على جزئياتها، ختم الموضوع بخلاصة مركزة موجةً فيها آراء النقاد فيه. وسيلحظ قارئ الدراسة أن الباحث ما أخلص لمنهج واحد من مناهج البحث الأدبي، وأن يكن المنهجان التاريخي والفني، واضحين تماماً في تضاعيفهما، وألحق أن طبيعة المادة هي التي أملت عليه هذا الشكل من التناول.
عاطفة الإبداع الشعري هزة نفسةي تعرو الشاعر فتحرك كيانه وتشغل قواه وملكاته وتجيش في صوره وتضطره إلى التعبير عن مكنونات وجدانه، فيقذفه على لسانه.
ولأهمية الموضوع فقد تناولت هذه الدراسة كل ما يتصل بهذه الحالة النفسية وآثارها في العمل الشعري، في سبيل جلاء الطبيعة الفنية لها وتبيُّن صلاتها بعناصر الفن الشعري الأساسية من خيال ولغة وموسيقا في غلاف نقدي لهذا العنصر.