وصف الكتاب
مما لا شكّ فيه أن الحرية الشخصية حقٌ طبيعي للإنسان, بل هي أقدس ما في الوجود لحقوقه وأغلاها, يحرص عليها حرصه على الحياة. ويذود عنها بكل ما يملك من قوة, لأنها قوام حياته وأساس وجوده, ويسجل التاريخ أن ثورات الشعوب على مر العصور والأزمان كانت الحرية مطلبها وغايتها, وأدركت شعوب العالم أهميتها, فسعت إلى إعلان عالمي يؤكد حقوق الإنسان وحرياته وضمنت دساتيرها النصوص التي تحمي الحريات وتصون الحقوق.
هذا وقد صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر 1948 مؤكداً إيمان الشعوب بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية وبكرامته وقدره. فقد نص في المادة الثالثة منه على أن ",لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه", كما نص على أنّ ",لكل فرد الحق في حرية التنقل وحرية الفكر والوجدان وحرية الرأي والتعبير",.
وقد اقتضت ضرورات الحياة في المجتمعات ألا تكون حرية الفرد مطلقة بغير ضابط ولا قيد عليها. حتى لا تصطدم بحقوق وحريات الآخرين. فتتفاقم الصراعات, وتعم الفوضى, فكان من الضروري أن توضع الضوابط التي تنظم ممارسة الأفراد لحرياتهم وحقوقهم بما لا يمس حقوق الآخرين, ويكفل للمجتمع حياةً آمنةً مطمئنةً ومجتمعاً يسوده جو من الاستقرار والأمان.
ويتكفل التنظيم القانوني بوضع تلك الضوابط متمثلةً في بعض القيود على حرية الفرد من أجل صالح المجتمع. فالقانون هو الذي يكفل التنسيق بين مصلحة الفرد في أن يحمي حريته وحقوقه وبين مصلحة الجماعة في حماية أمنها واستقرارها.
وقد يقتضي هذا التنسيق في بعض الأحوال المساس بالحرية الشخصية للفرد أو بحقوقه وحرماته. فيكون هذا المساس في صورة قبض أو تفتيش سواءً أكان محله الشخص أو المسكن. أو حبس احتياطي (توقيف). مما يشكل انتهاكاً لحقوقه وحرماته. ففي مثل هذه الأحوال يصبح الفرد أحوج ما يكون إلى الحماية. ومهمة المشرع هي أن يضع من الضمانات ما يكفل أن يكون المساس بحقوق الفرد وحرماته في أقل الحدود, وما يلزم لتحقيق الصالح العام في كشف الحقيقة في الجريمة وتحديد مرتكبها.
وإذا كانت حماية حقوق الإنسان وحرياته واجبة في كافة مراحل الخصومة الجنائية, فإنها تكون ألزم وجوباً في مرحلة ما قبل المحاكمة وهي المرحلة الافتتاحية للإجراءات الجنائية والتي تتخذ في أعقاب وقوع الجريمة أو اكتشافها أو الإبلاغ عنها, والتي تنسج فيها خيوط الواقعة الجنائية وترسم صورتها على نحو يصبح معه من العسير التخلص من تأثيرها في مرحلة المحاكمة",. وهذه المرحلة الافتتاحية يطلق عليها ",مرحلة جمع الاستدلالات",.