وصف الكتاب
ما كادت الشمس ترسل أول خيوطها الذهبية حتى كانت السيارة جاثمة أمام باب الفيلا بهدوء تنتظر المغامرين لتحملهم في رحلة بعيدة إلى وادي ارياح . كانت سيارة قوية ذات إطارات عريضة لتمكنها من السير فوق الرمال الناعمة الرجراجة . وقد زُوّدت بكل ما يحتاج إليه المرء في أمثال هذه الرحلات الصحراوية ، من إطارات إضافية ، ومياه عذبة للشرب ، وكمية كافية من الوقود ، وأدوات مختلفة تكفي لمواجهة أي طارىء . كان المفتش جميل يتناول قهوته في الشرفة مع زوجته سعاد . فما كاد يرى السيارة تقف أمام الباب الخارجي حتى صاح يعلن ذلك إلى خالد ورفاقه الذين كانوا في الداخل . أسرع المغامرون إلى نقل متاعهم ووزادهم إلى السيارة المنتظرة في الخارج . وكان أسرع الجميع ، وأكثرهم نشاطاً وخفة هو ", سرور ", الذي بدا سعيداً بهذه الرحلة المزمَعَة . وكأنما خافت الحيوانات الثلاثة ألا يبقى لها مكان في السيارة ، فاتخذ كل منها مكاناً له قبل وصول أعضاء الفرقة الآخرين ، فجلس سرور إلى جوار ", فينو ", في المقعد الخلفي ووقف بينهما ", فصيح ", ينادي : يا خالد !! يا ليلى !! يا عصام !! ضحك خالد الذي كان آنئذ يجتاز الحديقة ، ورفع رأسه نحو والديه وقال : لقد نفذ صبر سرور فيما يبدو ... إلى اللقاء يا ماما ... إلى اللقاء يا بابا .. قال المفتش موجهاً حديثه إلى السائق : إحترس يا شعبان ... وحاذر أن تقترب بهم من ", عش الثعلب ", .. نظر بعضهم إلى بعض في دهشة واستغراب . وقال خالد مستفسراً : عش الثعلب ؟ ما معنى ذلك يا بابا ؟ أجاب والده في لهجة حاسمة : سأشرح لكم ذلك بعد عودتكم ... أما الآن فيكفي أن أحذركم من هذا المكان ... إحترس يا شعبان كما أوصيتك . أجاب السائق الأعرابي الذي كان إلى جوار السيارة : كن مطمئناً يا سيدي .. فلا أحد يجرؤ على الإقتراب من عش الثعلب . ازداد فضول الرفاق ، ولكنهم اضطروا إلى السكوت مرجئين السؤال إلى ما بعد العودة ، فلوحوا بايديهم مودعين ، وانطلقت بهم السيارة ، ونظرات المفتش جميل وزوجته تلاحقها حتى اختفت . وحين صار الزوجان في الداخل قالت السيدة سعاد وهي تجلس في مواجهة زوجها : ما معنى عشّ الثعلب يا جميل ؟ أنا لم أسمع أبداً أن للثعلب عشاً ... ضحك المفتش وقال : هذا حق .. فبيت الثعلب يسمى ", وجاراً لا ", عشاً ", .. إنما العش للعصافير وما أشبهها . إذن ما سر هذه التسمية ؟ أشعل المفتش سيكارة وأخذ منها نفساً ، وقال : إنها اسطورة من الأساطير القديمة نُسجت حول هذا الإسم الغريب الذي أطلق على أعجب قمة في منطقة وادي الرياح . سألته مستغربة : وهل بوادي الرياح جميل يا جميل ؟ ! هزّ رأسه نفياً ، وقال : ليست جبالاً بالمعنى الصحيح ... هناك هضبة عالية قائمة وحدها وسط الوادي الفسيح . وعلى هذه الهضبة يطلقون إسم عش الثعلب . قالت وكأنها عادت طفلة . إذن قصّ عليّ هذه السطورة . ضحك المفتش لفضولها وإلحاحها ، وقال : ولماذا لا تنتظرين سماعها مع الأولاد عند عودتهم في المساء ؟ قالت بإصرار : لا ... لن انتظر ... قصّها عليّ ... واترك لي أن أقصها أنا عليهم ... ضحك من إصرارها الطفولي ، وقال يداعبها : إذن هاتي فنجان القهوة ، فإن الأسطورة طويلة . وفي أقل من دقيقتين كان فنجان القهوة موضوعاً أمامه ، والسيدة سعاد ترمقه بنظرات متلهفة .. ", . وهكذا يمضي جميل الضابط في الشرطة في إثارة فضول زوجته سعاد لمعرفة سر قسيمة ذاك المكان بعش الثعلب .. ولن تكون سعاد هي وحدها المتلهفة لسماع سر هذا الإسم الذي يكتنفه الغموض كما الأسطورة التي دارت حوله ... بل إن للقارىء حظ في هذه اللهفة .. الذي يمضي ونظره يلتهم الكلمات وصولاً إلى ذلك السر وتلك السطورة .. وكما هي باقي قصص هذه المجموعة ", العصابة الخفية ", ، ", مغامرة في الصحراء ", ، ", بائع الناي ", التي زخرت بالأسرار والمغامرات والحكايات الشيّقة .. قصص جميلة ولطيفة يمضي القارىء متتبعاً أحداثها التي أضفى عليها الكاتب الكثير من عناصر القصص البوليسية المليئة بالمغامرات .. وذلك كله باسلوب لطيف وبعرض فني وأدبي رائع ...