هل تساءلت يوما عما سيحدث إذا علمت موعد وفاتك؟!
اعتدل الملك في جلسته، وشرع يقص على بنيته:
يحكى أنه كان هناك رجلا فقيها عالما، شديد الإيمان، دخل بلادنا وعرف أسرارنا، وكانت هناك امرأة في غاية الجمال، كان جمالها أخاذا، تقشعر منه العيون والأبدان، فلما رأى الفقية العالم جمال المرأة خاف عليها من الدنيا وآثامها، لم يرد أن يكون جمالها وبالا عليها، وأراد أن ينصحها، فجاء بجمجمة إنسان وعرضها عليها وأخبرها أن تلك هي نهاية كل البشر، قال لها: أترين يا بنيتي كل هذا الجمال الأخاذ الذي حباك الله به؟ إن مآله إلى تلك العظام المخيفة، ومنها إلى التراب، نحن خلقنا منها وإليها نعود. سالت الدموع من عيني الفتاة، وقبلت يد العالم ورحلت، انتقل الرجل بين المدن والأصقاع كعادته يعلم الناس وينصحهم، غاب في رحلته عشرة أعوام، وعندما عاد إلى مدينتنا كانت المرأة الجميلة أشهر غانيات المدينة، وكان لها في كل ليلة عشيق،
اشمئز العالم مما سمع عنها، وطلب على الفور لقاءها، ولما دخل عليها، انحنت وركعت وعلى الفور قبلت يديه،
خاطبها مستنكرا ماذا فعلت بجسدك يا امرأة؟! ألم أخبرك أن تلك أمانة ومآلها للتراب؟!
ضحكت وعيناها تلمعان، أخبرته أن ما علمها إياه من شأن جمالها، وأن مآله إلى التراب، جعلها تتمسك بالحياة أكثر، تريد أن تتمتع بكل لحظاتها قبل أن يحين موعدها، بل أخذته من يده وأرته تلك الجمجمة التي تركها لها منذ عشر سنوات، وقد حفظتها ووضعتها في سياج زجاجي، أخبرته أنها كانت كلما سأمت من اللذات، تتذكر نصيحته وتنظر إلى تلك الجمجمة، فتستكثر من الحياة...
بكى الرجل بكاء شديدا... وإلى هنا تنتهي القصة، ولكن المغزى يا بنيتي أن الأمور قد تبدو واحدة، ولكنها نفوسنا التي تتعامل معها، وردود أفعالنا، الملك أصلان علم بموعد وفاته فقرر أن يسفك دماء أكثر، بينما آخر وقد علم بموعد وفاته، فاقترب من ربه؛ عله يغفر له، الأمر برمته يتوقف على مفاهيمك وأصلك ونفسك، وهي كما سواها ربها.
د.إياد درويش