وصف الكتاب
",غطت الثلوج المنحدر، غطت الجبل، غطت الأشجار والتلال البعيدة. كان يسمع صوت إنزلاقها، وفي كل كتلة ضخمة رطبة، عن السطح. تنزلق على القرميد، تهوي، وتخبط الأرض تحت النافذة. في الليل يوقظه الصوت من النوم. وفي النهار يؤنسه برتابته. حين تتباعد الغيوم يشعل ناراً خارج الباب. ينتظر الحطب حتى يتحول جمراً. يجمع الجمرات وينقلها في كانون صغير الى الداخل. يجلس على الكرسي الهزاز. ينظر الى الضوء الأحمر المرتجف. يشم رائحة صمغ الصنوبر . معطفه الإنجليزي الثقيل يذكره بالبيت في ستراند. يخلعه ويلتف بعباءة. ليس الطقس بارداً. الشمس دخلت النافذة. ينتعل جزمة ويعبر صفحة الجلّ البيضاء الى المصطبة وراء بيد العقد. البوابة موصدة. يدور حول البيت.
تتساقط عليه كتل ثلج من الشربينة بينما يقفز فوق الحائط القصير. الباب الأمامي موصد أيضاً. التعريشة ناخت تحت الثلوج. إحدى التوتات تحطمت أعضائها، تكسرت فوق الشواهد ثم تغطت بطبقة من الثلوج. البرد يلفّ قدميه. البخار يخرج من أنفه وفمه مكوناً غيمة أمام عينيه، الدرفات الخشبية كأنها مقفاة، قاتمة. إقترب من الباب، سمع صوت سارة، ثم صوت أمها، وبكاء يوسف الرابع.ثم نورالدين يلاعب خاطر. رفع يده كي يقرع الباب. كانت سارة تحكي لأمها شيئاً، وسمع ضحكات. لم يقرع الباب.
تراجع عبر دار البحص المغطى بالثلج حتى بلغ التوتات، وقف لحظة هناك ثم قفل عائداً الى بيته. رأسه يغرق بين كفيه. في البيت فتح كتاب ", دليلك الى فن التصوير",، أخرج منه صورته مع ماري، بخاتم ستوديو الأخوة والتون مطبوعاً في الزاوية. فكر أنه ليس في الصورة. فكر أنه لم يعد هو. وتذكر سفر أيوب: ",عيناك عليّ ولست أنا. السحاب يضمحل ويذول.هكذا الذي ينزل الى الهاوية لا يصعد",.
تدور القصة حول يوسف إبن إبراهيم خاطر الذي ركب البحر وغادر بلده لبنان الى أوروبا. وبين الخيال والحقيقة يسجل الروائي ومن خلال حكاية إبراهيم خاطر وأبنائه جزء من تاريخ لبنان في هذه الفترة. يمهر الروائي في سردياته فيقدم للقارئ مشاهد تصويرية وكأنها ناطقة تحكي عن حياة ضيعة في دير القمر في جبل لبنان في فترة الثمانينات. كما أنه ينزع الى الوصف. ويضفي على حكايته نوعاً من المصداقية من خلال سرديات تاريخية حقيقية ويمزجها بكل براعة في أحداث روايته.