كان بلنت يود أن يسجل فى شكل واضح وملموس تلك الأحداث المتعلقة بأصل الاحتلال الإنجليزى لمصر، ليس حبًّا فى النشر، وإنما باعتبار ذلك وثيقة من وثائق التاريخ، فى لحظة من اللحظات التى لعب الرجل فيها دورًا رئيسيًّا بارزًا فى الأحداث وعلى مدار ما يقرب من عشرين عامًا كان خلالها مشاهدًا مهمًّا للدراما التى يجرى تمثيلها على مسرح القاهرة. نشأ مستر بلنت مؤلف ",التاريخ السري لاحتلال انجلترا مصر", في أسرة عريقة في الغنى والجاه وبدأ حياته السياسية وهو لا يزال فتيًا فعين في الثامنة عشرة من عمره ملحقًا بالوكالة الانجليزية في أثينا ثم بقى يتنقل في المناصب بعد ذلك اثنتي عشرة سنة في الوكالات والسفارات الانجليزية في طول أوربا وعرضها إلى أن اعتزل خدمة الحكومة في سنة 1859. وكان قد تزوج حفيده الشاعر المعروف اللورد بيرون فشرع يطوف معها في البلاد الشرقية. وكتاب ",التاريخ السري لاحتلال انجلترا مصر", ليس تاريخًا بالمعنى المعروف من كلمة ",التاريخ", وإنما هو قصة شخصية قص صاحبها رحلاته في سوريا والعراق والهند ونجد وجدة ومصر، ثم إذ استقر في القاهرة في آخر سنة 1881 قص الحوادث التي جرت على يديه فيها، ثم إذ غادرها بعد ذلك إلى لندن قص مساعيه السياسية فيها من جانب والأخبار التي كان سكرتيره صابونحي يرسلها إليه من مصر من جانب آخر. فهو لم يكتب كتابه هذا ليجعله تاريخًا ككل التواريخ وإنما كتبه ليكون قصة لحوادث رآها بعينه وكان له ضلع فيها. ولأمثال هذه القصص التي يرويها شهود الرؤية قيمة كبيرة في تحديد الحقائق وتسجيلها في صفحات التاريخ ولكنها ليست التاريخ في ذاته ولهذا رأينا أن نضع أمام نظر القارئ، قبل أن يقرأ القصة موجزًا سريعًا للحوادث من عهد الخديو إسماعيل باشا إلى أن دخل الانجليز القاهرة كي تكون هذه الحوادث مائلة في ذهنه أثناء قراءته القصة.