الجهاز العصبي للإنسان هو أعقد جهاز في هذا الكون، بحيث أن فهم العديد من وظائفه لا زال أمراً يحوطه الغموض. والنفس البشرية، من جهة أخرى، لا زال فهمها أمراً بعيداً عن الكمال، بالرغم من الجهود المتواصلة المضنية التي بذلها ويبذلها علماء النفس. وعندما تصبح القضية متعلقة بتفهم وظائف أعقد جهاز في علاقته بأعقد تكوين، أي عندما نصبح بصدد محاولة فهم وظائف الجهاز العصبي في علاقته بالعمليات النفسية، فإننا نكون بلا شك أمام مهمة عسيرة شاقة، وهذا بالفعل ما يواجه الباحث في علم النفس الفسيولوجي. ومع ذلك، فلا يمكن لهذه المشقة أن توقف الإنسان عن محاولة فهمه لنفسه حتى يسخر هذا الفهم لصالحه وصالح البشرية جمعاء.

والباحث في علم النفس الفسيولوجي يجد نفسه أمام صور شتى من العلوم تصب في نهاية الأمر في هذا النوع من الدراسات، وعليه أن يجتهد في استيعابها بأقصى ما يستطيع. فالدراسات التشريحية، وعلوم الحياة، والكيمياء الحيوية، والعلوم النفسية جميعها تترابط بشكل وثيق لتسهم في النهاية في توضيح القضايا الأساسية لعلم النفس الفسيولوجي. هذا وإن عالم النفس الفسيولوجي يهتم بالعلاقة بين الأحداث الجسيمة والكيميائية في الكائن الحي. وبخاصة في الجهاز العصبي، وبين الأحداث النفسية مثل الإدراك الحسي والدافعية والتعلم. وهناك أسلوبان أساسيان لدراسة هذه العلاقة تجريبياً. الأسلوب الأول، يقوم على أساس تسجيل الأحداث الجسيمة والكيميائية، وربطها بالسلوك. في حين يقوم الأسلوب الثاني على أساس التدخل بشكل ما في العمليات الفسيولوجية وملاحظة ما يطرأ من تغير على السلوك. وحتى الآن لا توجد سوى محاولات قليلة لتحليل الاستجابات الكيميائية في الكائن الحي السليم، لأن الأساليب القائمة لا يمكنها الاضطلاع بذلك بدون التدخل بنفس الأحداث المراد قياسها. وعلى هذا فإن التركيز في البحوث حالياً يقوم على تسجيل الجهد الكهربي الذي تولده الخلايا العصبية وكذلك الأنسجة غير العصبية خلال الاستشارة أو الكف.

وهذا الكتاب بدراسته وبما حوى من إيضاحات وتفصيلات يمثل أفقاً رحباً لمن أراد معرفة ماهية علم النفس الفسيولوجي وتعقيداته، والكتاب أيضاً هو مرجع دراسي هام للمهتمين بهذا العلم وللمختصين وللدارسين حيث قدم وبالكثير من التفصيل، وبمزيد من الدقة العلمية والمنهجية، ومن خلال أجزاء خمسة، دراسة حول: 1-الجهاز العصبي بوحداته البيولوجية الأساسية وغلبة العصبية والمخ المقدمي والثلاموس والهيبوثلاموس والعقد القاعدية وجذع المخ والحبل الشوكي وغيرها... 2-الإحساسات والحواس، 3-الغدد الصماء بما في ذلك الغدد الجنسية الذكرية والأنثوية والأدرينالية والدرقية وجارات الغدة الدرقية والبنكرياس والغدة الصنوبرية والتيموسية. 4-الدوافع والانفعالات بما في ذلك فسيولوجيا الروافع، والدوافع البيولوجية والانفعالات والحياة الانفعالية للطفل ونظرياته الانفعالات ودور المخ في السلوك الانفعالي والتغيرات الجسيمة في الانفعالات وقياسها. 5-فسيولوجيا السلوك والتعلم والتذكر بما في ذلك وسائل الاتصال والتحكم والأنماط السلوكية الولادية والأشراط والتعلم والتذكر والعمليات البيوكيميائية.

وتجدر الإشارة إلى أنه تمّ كتابة الموضوعات ومعظم المصطلحات باللغة العربية على الرغم من افتقاد الاتفاق العام على الألفاظ المناسبة لكثير من المصطلحات الأجنبية، ومن جهة أخرى وكي لا يفقد القارئ صلته بالمصطلحات الأجنبية بحيث يمكنه متابعة ما شاء من المراجع الأجنبية، فقد تمت المحافظة على تقديم المصطلح الأجنبية جنباً إلى جنب مع المصطلح العربي في أكثر من موضع، حتى يحدث القارئ نوع من الألفة بينها.